الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف

وفيها صرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مددا لعبد الرحمن بن ربيعة ، وخرج معه سعيد بن العاص ، فبلغ معه أذربيجان ، وكانوا يجعلون الناس ردءا ، فأقام حتى [ ص: 482 ] عاد حذيفة ثم رجعا . فلما عاد حذيفة قال لسعيد بن العاص : لقد رأيت في سفرتي هذه أمرا ، لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن ، ثم لا يقومون عليه أبدا . قال : وما ذاك ؟ قال : رأيت أناسا من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خير من قراءة غيرهم ، وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد ، ورأيت أهل دمشق يقولون : إن قراءتهم خير من قراءة غيرهم ، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك ، وإنهم قرءوا على ابن مسعود ، وأهل البصرة يقولون مثل ذلك ، وإنهم قرءوا على أبي موسى ، ويسمون مصحفه لباب القلوب . فلما وصلوا إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك وحذرهم ما يخاف ، فوافقه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكثير من التابعين . وقال له أصحاب ابن مسعود : ما تنكر ؟ ألسنا نقرأه على قراءة ابن مسعود ؟ فغضب حذيفة ومن وافقه ، وقالوا : إنما أنتم أعراب فاسكتوا فإنكم على خطأ . وقال حذيفة : والله لئن عشت لآتين أمير المؤمنين ، ولأشيرن عليه أن يحول بين الناس وبين ذلك . فأغلظ له ابن مسعود ، فغضب سعيد وقام وتفرق الناس ، وغضب حذيفة وسار إلى عثمان فأخبره بالذي رأى ، وقال : أنا النذير العريان فأدركوا الأمة . فجمع عثمان الصحابة وأخبرهم الخبر ، فأعظموه ورأوا جميعا ما رأى حذيفة .

فأرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها . وكانت هذه الصحف هي التي كتبت في أيام أبي بكر ، فإن القتل لما كثر في الصحابة يوم اليمامة قال عمر لأبي بكر : إن القتل قد كثر واستحر بقراء القرآن يوم اليمامة ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء فيذهب من القرآن كثير ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ، فأمر أبو بكر زيد بن ثابت فجمعه من الرقاع والعسب وصدور الرجال ، فكانت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر ، فلما توفي عمر أخذتها حفصة فكانت عندها .

فأرسل عثمان إليها [ من ] أخذها منها ، وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان : إذا اختلفتم فاكتبوها بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا . فلما نسخوا الصحف ردها عثمان إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف ، وحرق ما سوى ذلك ، وأمر أن يعتمدوا عليها ويدعوا ما سوى ذلك . فكل الناس عرف فضل هذا الفعل ، إلا ما كان من أهل الكوفة ، فإن المصحف لما قدم عليهم فرح به أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن أصحاب عبد الله ومن وافقهم امتنعوا من ذلك وعابوا الناس ، فقام فيهم ابن مسعود وقال : ولا كل ذلك ، فإنكم والله قد سبقتم سبقا بينا ، فاربعوا على ظلعكم . ولما قدم علي [ ص: 483 ] الكوفة قام إليه رجل فعاب عثمان بجمع الناس على المصحف ، فصاح به وقال : اسكت فعن ملأ منا فعل ذلك ، فلو وليت منه ما ولي عثمان لسلكت سبيله .

التالي السابق


الخدمات العلمية