الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم .

[ ص: 138 ] لقن الله رسوله الجواب عن قولهم : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ، والجواب إبطال لقولهم ، وتعليم للمؤمنين لدفع ما عسى أن يقع في نفوسهم من الريب ، إذا سمعوا كلام المنافقين ، أو هو جواب للمنافقين ويحصل به علم للمؤمنين . وفصلت الجملة جريا على حكاية المقاولة كما قررنا غير مرة ، وهذا الجواب جار على الحقيقة وهي جريان الأشياء على قدر من الله والتسليم لذلك بعد استفراغ الجهد في مصادفة المأمول ، فليس هذا الجواب ونظائره بمقتض ترك الأسباب ، لأن قدر الله تعالى وقضاءه غير معلومين لنا إلا بعد الوقوع ، فنحن مأمورون بالسعي فيما عساه أن يكون كاشفا عن مصادفة الله لمأمولنا ، فإن استفرغنا جهودنا وحرمنا المأمول ، علمنا أن قدر الله جرى من قبل على خلاف مرادنا ، فأما ترك الأسباب فليس من شأننا ، وهو مخالف لما أراد الله منا ، وإعراض عما أقامنا الله فيه في هذا العالم وهو تحريف لمعنى القدر . والمعنى : لو لم تكونوا هاهنا وكنتم في بيوتكم لخرج الذين كتب الله عليهم أن يموتوا مقتولين فقتلوا في مضاجعهم التي اضطجعوا فيها يوم أحد أي مصارعهم فالمراد بقوله كتب قدر ، ومعنى برز خرج إلى البراز وهو الأرض .

وقرأ الجمهور باء ( بيوتكم ) بالكسر . وقرأه أبو عمرو ، وورش عن نافع ، وحفص وأبو جعفر بالضم .

والمضاجع جمع مضجع بفتح الميم وفتح الجيم وهو محل الضجوع ، والضجوع : وضع الجنب بالأرض للراحة والنوم ، وفعله من باب منع ومصدره القياسي الضجع ، وأما الضجوع فغير قياسي ، ثم غلب إطلاق المضجع على مكان النوم قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع وفي حديث أم زرع : مضجعه كمسل شطبة فحقيقة الضجوع هو وضع الجنب للنوم والراحة وأطلق هنا على مصارع القتلى على سبيل الاستعارة ، وحسنها أن الشهداء أحياء ، فهو استعارة أو مشاكلة تقديرية لأن قولهم ما قتلنا هاهنا يتضمن معنى أن الشهداء كانوا يبقون في بيوتهم متمتعين بفروشهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية