الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 182 ] فصل ) فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال للغير وتوابعها ( زيادة المغصوب إن كانت أثرا محضا كقصارة ) لثوب وخياطة بخيط من الثوب وطحن لبر وضرب سبيكة دراهم ( فلا شيء للغاصب بسببها ) لتعديه بعمله في ملك غيره ، وبه فارق ما مر في المفلس من مشاركته للبائع لأنه عمل في ملك نفسه ( وللمالك تكليفه رده ) أي المغصوب ( كما كان إن أمكن ) ولو مع عسر كرد الحلي سبائك واللبن طينا إلحاقا لرد الصفة برد العين لما تقرر من تعديه ، وشمل كلامه ما لو لم يكن له غرض ، وهو الأوجه كما قاله الإمام وإن شرط المتولي أن يكون له غرض ، فإن لم يمكن رده مما كان كالقصارة لم يكلف ذلك بل يرده بحاله .

                                                                                                                            وما اقتضاه كلام المصنف من أنه لو رضي المالك ببقائه لم يعده ; مقيد بما لو لم يكن له غرض ، فإن كان كأن ضرب الدراهم بغير إذن السلطان أو على غير عياره فله إعادته . خوفا من التعزير ( وأرش ) بالرفع عطفا على " تكليفه " والنصب عطفا على " رده " ( النقص ) لقيمته قبل الزيادة سواء أحصل النقص بها من وجه آخر أم بإزالتها [ ص: 183 ] وعليه مع ذلك أجرة مثله لدخوله في ضمانه لا لما زاد بصنعته لأن فواته بأمر المالك بدليل أنه لو رده بغير أمره مع عدم غرض له غرم أرشه ، وعلم مما مر في رد التراب أنه لو تعين غرض الغاصب في الرد لعدم لزوم الأرش له ومنعه المالك منه وأبرأه امتنع عليه وسقط الأرش عنه ( وإن كانت ) الزيادة التي فعلها الغاصب ( عينا كبناء وغراس كلف القلع ) وأرش النقص لخبر { ليس لعرق ظالم حق } وإعادتها كما كانت وأجرة المثل إن مضت مدة لمثلها أجرة ، ولو أراد المالك تملكه أو إبقاءه بأجرة لم يلزم الغاصب إجابته لإمكان القلع من غير أرش بخلاف المستعير ، ولو أراد الغاصب القلع بغير رضا المالك لم يمنع ، فإن بادر أجنبي لذلك غرم الأرش لأن عدم احترامه بالنسبة إلى مستحق الأرض فقط ، ولو كان البناء والغراس مغصوبين من آخر فلكل من مالكي الأرض والبناء والغراس إلزام الغاصب بالقلع ، وإن كانا لصاحب الأرض ورضي به المالك امتنع على الغاصب قلعه ولا شيء عليه ، وإن طالبه بقلعه ; فإن كان له فيه غرض لزمه قلعه مع أرش النقص ، وإلا فوجهان أوجههما نعم لتعديه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 182 ] فصل ) فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال للغير ( قوله : وتوابعها ) أي كالبناء والغراس ( قوله : بخيط من الثوب ) أي أما لو كان الخيط من الغاصب وزادت به القيمة شارك به إن لم يكن فصله كما يأتي في الصيغ ، وعبارة حج : بخيط المالك ا هـ . وهي أعم مما ذكره الشارح ( قوله : لتعديه ) أي بحسب نفس الأمر حتى لو قصر ثوب غيره يظنه ثوبه لم يكن له شيء ( قوله : لأنه ) أي المفلس ( قوله : إلحاقا لرد الصفة ) وهي جعله سبائك وطينا

                                                                                                                            ( قوله : لو لم يكن له ) أي المالك ( قوله : وما اقتضاه كلام المصنف ) يتأمل وجه الاقتضاء ، فإن قوله : وللمالك تكليفه إلخ لا يدل على أن المالك إذا رضي به امتنع على الغاصب إعادته ، اللهم إلا أن يقال : إن قوله وللمالك التكليف معناه أنه يجوز له تكليفه الرد ، وقد يفهم أنه إن لم يرض برده لا يجوز لأنه جعل رد الغاصب له مرتبا على تكليف المالك

                                                                                                                            ( قوله : فله إعادته ) أي الغاصب ، وقوله : خوفا إلخ يدل على أنه في الواقع يسقط التعزير بإعادته ، قد تمنع دلالته على ذلك بناء على أن المراد أن بقاء الدراهم بحالها يؤدي إلى اطلاع السلطان فيعزره ، وإعادتها طريق إلى عدم اطلاعه على ما وقع ، وقد يقال : لولا سقوط التعزير ما جاز له التسبب في دفعه بالإعادة ، وقد يوجه بأنه ما لم يبلغ الإمام فينبغي له كتمه والسعي في دفعه كما في موجب الحد .

                                                                                                                            [ فرع ] قال في شرح الروض : ولو ضرب الشريك الطين المشترك لبنا أو السبائك دراهم بغير إذن شريكه فيجوز له كما أفتى به البغوي أن ينقضه وإن رضي شريكه بالبقاء لينتفع بملكه كما كان ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ومنه ما لو كانت الأرض مشتركة بين شخص وآخر فغرس فيها أو بنى بغير إذن شريكه فإنه يكلف القلع لتعديه بفعله لأن كل جزء مشترك بينهما فكان كالغاصب لا يقال فيه : تكليفه قلع ملكه عن ملكه .

                                                                                                                            لأنا نقول : ليس المقصود ذلك وإنما المقصود الخروج من حق الغير وهو لا يحصل إلا بقلع الجميع ، وسيأتي في الشفعة بعد قول المصنف وللشفيع نقض ما لا شفعة إلخ ما يصرح بذلك في قوله ولو بنى المشتري أو غرس في المشفوع إلخ ( قوله : بها ) أي الزيادة ، [ ص: 183 ] قوله لأن فواته : أي ما زاد ، وقوله لو رده : أي أعاده ، وقوله مع عدم غرض له : أي الغاصب ( قوله : غرم أرشه ) أي أرش النقص لما زاد بصنعته ا هـ سم ( قوله : ومنعه المالك ) ليس المنع بقيد بل المدار على البراءة ، وينبغي فيما لو اختلفا في البراءة وعدمها أن المصدق هو المالك ; لأن الأصل عدم الإبراء وبقاء شغل ذمة الغاصب

                                                                                                                            ( قوله : وأبرأه ) أي من الأرش ( قوله : ليس لعرق ظالم ) أي الأصل وهو بكسر العين المهملة وسكون الراء المهملة ، وقوله حق قال حج : هو حسن غريب ، وفيهما التنوين وتنوين الأول وإضافة الثاني ا هـ .

                                                                                                                            وفي قوله وإضافة الثاني تأمل ، وعبارة شرح المشكاة : وإضافة الأول وتنوين الثاني وهي الصواب لأن " حق " اسم ليس بمعنى احترام فلا يكون مضافا إليه ( قوله : لم يلزم الغاصب ) أي ولا يلزم المالك قبوله لو وهبه له الغاصب ا هـ سم على حج : أي لما فيه من المنة ( قوله : لإمكان القلع ) أي من المالك للأرض وقوله من غير أرش : أي للمقلوع ( قوله : بخلاف المستعير ) أي فإنه لو طلب المعير منه التبقية بالأجرة أو تملكه بالقيمة لزم المستعير موافقته ، لكن محله كما مر حيث لم يختر القلع ، أما عند اختياره له فلا تلزمه موافقة المعير لو طلب التبقية بالأجرة أو التملك بالقيمة ثم رأيت في سم على حج ما يصرح به ، وعبارته : قوله : وبه فارق ما في العارية فيه نظر ، وإنما يحتاج للفرق بينهما فيما إذا امتنع المستعير والغاصب من القلع فللمالك حينئذ قهرا الإبقاء بالأجرة أو التملك بالقيمة هناك لا هنا فليراجع ا هـ

                                                                                                                            ( قوله : لذلك ) أي القلع ، وقوله : غرم الأرش : أي للغاصب ( قوله : إلزام الغاصب بالقلع ) أي فإن لم يفعل جاز لكل منهما فعله بنفسه ، وينبغي أن المؤن التي تصرف على القلع إن تبرع بها صاحب الأرض أو البناء والغراس فذاك ، وإلا رفع الأمر إلى قاض يلزم الغاصب بصرفها ، فإن فقد القاضي صرفها المالك بنية الرجوع وأشهد ( قوله : امتنع ) أي فإن فعل لزمه الأرش إن نقص ( قوله : ولا شيء عليه ) أي على الغاصب حيث لم تنقص قيمته عما كان قبل نقله للمحل الآخر لا بسبب عدم إعادته للمحل المنقول منه ( قوله : أوجههما نعم ) ليس هذا مكررا [ ص: 184 ] مع قوله السابق وشمل كلامه ما لو لم يكن غرض لاشتمال ما هنا على التفصيل وحكاية الخلاف



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 182 ] فصل ) فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ، ووطء وانتقال للغير .

                                                                                                                            ( قوله : وما اقتضاه كلام المصنف ) عبارة التحفة : وقد يقتضي المتن إلخ [ ص: 183 ] قوله : لا لما ما زاد ) عطف على لقيمته : أي له أرش نقص قيمته قبل الزيادة لا أرش نقص حصل بإزالة الصنعة الحاصلة بفعله ( قوله : بدليل أنه لو رده ) عبارة التحفة : ومن ثم لو رده إلخ ( قوله : لعدم لزوم الأرش ) اللام فيه بمعنى في ، والمعنى أنه لم يكن له غرض في الرد سواه ، وعبارة التحفة : أنه لو لم يكن للغاصب غرض في الرد سوى عدم لزوم الأرش




                                                                                                                            الخدمات العلمية