الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات

                                                                                                                162 حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قال وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم ( إلى السماوات وفرض الصلوات )

                                                                                                                هذا باب طويل وأنا أذكر إن شاء الله تعالى مقاصده مختصرة من الألفاظ والمعاني على ترتيبها . وقد لخص القاضي عياض - رحمه الله - في الإسراء جملا حسنة نفيسة فقال : اختلف الناس في الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : إنما كان جميع ذلك في المنام . والحق الذي عليه أكثر الناس ، ومعظم السلف ، وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده - صلى الله عليه وسلم - . والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها . ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ، ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل . وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء ، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله فقدم وأخر وزاد ونقص منها قوله : ( وذلك قبل أن يوحى إليه ) وهو غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - بخمسة عشر شهرا . وقال الحربي : كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة . وقال الزهري : كان ذلك بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين . وقال ابن إسحاق : أسري به - صلى الله عليه وسلم - وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل . وأشبه هذه الأقوال [ ص: 358 ] قول الزهري وابن إسحاق إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله عنها صلت معه - صلى الله عليه وسلم - بعد فرض الصلاة عليه ، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل : بثلات سنين ، وقيل : بخمس . ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء . فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه .

                                                                                                                وأما قوله في رواية شريك : ( وهو نائم ) ، وفي الرواية الأخرى : ( بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ) ، فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه ، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة كلها . هذا كلام القاضي - رحمه الله - . وهذا الذي قاله في رواية شريك . وأن أهل العلم أنكروها قد قاله غيره . وقد ذكر البخاري - رحمه الله - رواية شريك هذه عن أنس في كتاب التوحيد من صحيحه ، وأتى بالحديث مطولا . قال الحافظ عبد الحق - رحمه الله - في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية : هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس ، وقد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة . وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك . وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث . قال : والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعول عليها . هذا كلام الحافظ عبد الحق - رحمه الله - .

                                                                                                                قول مسلم : ( حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس - رضي الله عنه - ) هذا الإسناد كله بصريون ، و ( فروخ ) عجمي لا ينصرف تقدم بيانه مرات ، و ( البناني ) بضم الباء منسوب إلى بنانة قبيلة معروفة .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتيت بالبراق ) هو بضم الباء الموحدة . قال أهل اللغة البراق اسم الدابة التي ركبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء . قال الزبيدي في مختصر العين ، وصاحب التحرير : هي دابة كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يركبونها . وهذاالذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها يحتاج إلى نقل صحيح . قال ابن دريد : اشتقاق البراق من البرق إن شاء الله تعالى يعني لسرعته . وقيل : سمي بذلك لشدة صفائه وتلألئه وبريقه ، وقيل : لكونه أبيض . وقال القاضي : يحتمل أنه سمي بذلك لكونه ذا لونين يقال شاة برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود . قال : ووصف في الحديث بأنه أبيض وقد يكون من نوع الشاة البرقاء وهي معدودة في البيض . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط به الأنبياء صلوات الله عليهم ) أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة إحداهما بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة ، والثانية بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة . قال الواحدي : أما من شدده فمعناه [ ص: 359 ] المطهر ، وأما من خففه فقال أبو علي الفارسي : لا يخلو إما أن يكون مصدرا أو مكانا فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى : إليه مرجعكم ونحوه من المصادر وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان : الذي جعل فيه الطهارة ، أو بيت مكان الطهارة ، وتطهيره إخلاؤه من الأصنام وإبعاده منها . وقال الزجاج البيت المقدس المطهر وبيت المقدس أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب ويقال فيه أيضا إيلياء . والله أعلم .

                                                                                                                وأما ( الحلقة ) فبإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة . وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا . قال الجوهري : حكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء ( حلقة ) بالفتح وجمعها حلق وحلقات . وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها .

                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الحلقة التي يربط به ) فكذا هو في الأصول ( به ) بضمير المذكر أعاده على معنى الحلقة وهو الشيء قال صاحب التحرير : المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس . والله أعلم .

                                                                                                                وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب وأن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله تعالى . والله أعلم .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة ) هذا اللفظ وقع مختصرا هنا والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - قيل له : اختر أي الإناءين شئت كما جاء مبينا بعد هذا في هذا الباب من رواية أبي هريرة ، فألهم - صلى الله عليه وسلم - اختيار اللبن .

                                                                                                                وقوله : ( اخترت الفطرة ) فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة . وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين سليم العاقبة . وأما الخمر فإنها أم الخبائث ، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل له : من أنت ؟ قال : [ ص: 360 ] جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ) أما قوله عرج فبفتح العين والراء أي صعد وقوله ( جبريل ) فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت فينبغي أن يقول : زيد مثلا إذا كان اسمه زيدا ولا يقول : أنا فقد جاء الحديث بالنهي عنه ولأنه لا فائدة فيه .

                                                                                                                وأما قول بواب السماء : ( وقد بعث إليه ؟ ) فمراده وقد بعث إليه للإسراء وصعود السماوات ؟ وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة فهذا هو الصحيح والله أعلم في معناه . ولم يذكر الخطابي في شرح البخاري وجماعة من العلماء غيره وإن كان القاضي قد ذكر خلافا أو أشار إلى خلاف في أنه استفهم عن أصل البعثة أو عما ذكرته . قال القاضي وفي هذا أن للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وفيه إثبات الاستئذان . والله أعلم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بآدم - صلى الله عليه وسلم - فرحب بي ودعا لي بخير ) ثم قال - صلى الله عليه وسلم - في السماء الثانية ( فإذا أنا بابني الخالة فرحبا بي ودعوا ) وذكر - صلى الله عليه وسلم - في باقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم نحوه فيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم وإن كانوا أفضل من الداعي .

                                                                                                                وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بابني الخالة ) قال الأزهري : قال ابن السكيت : يقال : هما ابنا عم ، ولا يقال ابنا خال . ويقال : ابنا خالة ، ولا يقال : ابنا عمة .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مسندا ظهره إلى البيت المعمور ) قال القاضي - رحمه الله - يستدل به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى ) هكذا وقع في الأصول ( السدرة ) بالألف واللام ، وفي الروايات بعد هذا سدرة المنتهى . قال ابن عباس والمفسرون وغيرهم : سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وحكي عن عبد الله بن مسعود - رضي [ ص: 361 ] الله عنه - أنها سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإذا ثمرها كالقلال ) هو بكسر القاف جمع قلة والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فرجعت إلى ربي ) معناه رجعت إلى الموضع الذي ناجيته منه أولا فناجيته فيه ثانيا .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى - صلى الله عليه وسلم - ) معناه بين موضع مناجاة ربي . والله أعلم .

                                                                                                                قوله عقب هذا الحديث : ( قال الشيخ أبو أحمد حدثنا أبو العباس الماسرجسي حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث ) أبو أحمد هذا هو الجلودي راوي الكتاب عن ابن سفيان عن مسلم وقد علا له هذا الحديث برجل فإنه رواه أولا عن ابن سفيان عن مسلم عن شيبان بن فروخ ثم رواه عن الماسرجسي عن شيبان واسم الماسرجسي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري وهو بفتح السين المهملة وإسكان الراء وكسر الجيم وهو منسوب إلى جده ماسرجس . وهذه الفائدة وهي قوله : قال الشيخ أبو أحمد إلى آخره تقع في بعض الأصول في الحاشية وفي أكثرها في نفس الكتاب وكلاهما له وجه . فمن جعلها في الحاشية فهو الظاهر المختار لكونها ليست من كلام مسلم ولا من كتابه فلا يدخل في نفسه إنما هي فائدة فشأنها أن تكتب في الحاشية ومن أدخلها من الكتاب فلكون الكتاب منقولا عن عبد الغافر الفارسي عن شيخه الجلودي وهذه الزيادة من كلام الشيخ الجلودي فنقلها عبد الغافر في نفس الكتاب لكونها من جملة المأخوذ عن الجلودي ، مع أنه ليس فيه لبس ولا إيهام أنها من أصل ، والله أعلم .

                                                                                                                [ ص: 362 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت ) معنى ( شرح ) شق كما قال في الرواية التي بعد هذه . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم أنزلت ) هو بإسكان اللام وضم التاء هكذا ضبطناه وكذا هو في جميع الأصول والنسخ وكذا نقله القاضي عياض - رحمه الله - عن جميع الروايات وفي معناه خفاء واختلاف قال القاضي : قال الضبعي : هذا وهم من الرواة . وصوابه تركت فتصحف . قال القاضي : فسألت عنه ابن سراج فقال ( أنزلت ) في اللغة بمعنى ( تركت ) صحيح ، وليس فيه تصحيف . قال القاضي : وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت فهو ضد رفعت لأنه قال : انطلقوا بي إلى زمزم ، ثم أنزلت أي ثم صرفت إلى موضعي الذي حملت منه . قال : ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبي بكر البرقاني ، وأنه طرف حديث وتمامه ( ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا ) . هذا آخر كلام القاضي عياض - رحمه الله - ومقتضى رواية البرقاني أن يضبط ( أنزلت ) بفتح اللام وإسكان التاء وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها وقال : أخرجها البرقاني بإسناد مسلم ، وأشار الحميدي إلى أن رواية مسلم ناقصة وأن تمامه ما زاده البرقاني . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية