الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1106 186 - حدثنا عبد الله بن يزيد، قال: حدثنا سعيد، هو ابن أبي أيوب، قال: حدثني جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم صلى ثمان ركعات، وركعتين جالسا، وركعتين بين النداءين، ولم يكن يدعهما أبدا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته في قوله: " ولم يكن يدعهما أبدا " فافهم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: عبد الله بن يزيد من الزيادة، أبو عبد الرحمن ، مر في "باب بين كل أذانين صلاة".

                                                                                                                                                                                  الثاني: سعيد بن أبي أيوب ، واسم أبي أيوب مقلاص بكسر الميم وسكون القاف وبالصاد المهملة، مات سنة تسع وأربعين ومائة.

                                                                                                                                                                                  الثالث: جعفر بن ربيعة بن شرحبيل القرشي ، مات سنة خمس أو ست وثلاثين ومائة.

                                                                                                                                                                                  الرابع: عراك بكسر العين المهملة وتخفيف الراء وبالكاف ابن مالك ، مر في "باب الصلاة على الفراش".

                                                                                                                                                                                  الخامس: أبو سلمة بن عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                  السادس: أم المؤمنين عائشة .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه القول في ثلاثة مواضع، وفيه أن شيخه من ناحية البصرة سكن مكة ، وسعيد مصري، وجعفر من أهل مصر ، وعراك وأبو سلمة مدنيان.

                                                                                                                                                                                  قوله: " عن عراك بن مالك ، عن أبي سلمة " خالفه الليث عن يزيد بن أبي حبيب ، فرواه عن جعفر بن ربيعة ، عن أبي سلمة ، لم يذكر بينهما أحدا، أخرجه أحمد والنسائي ، وكأن جعفرا أخذه عن أبي سلمة بواسطة، ثم حمله عنه، وليزيد شيخ البخاري إسناد آخر فيه رواه عن عراك بن مالك ، عن عروة ، عن عائشة ، أخرجه مسلم ، فكان لعراك فيه شيخان، والذي رواه مسلم من طريق عراك فقال: حدثني قتيبة بن سعيد ، قال: حدثنا ليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عراك ، " عن عروة : أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر " .

                                                                                                                                                                                  (ذكر من أخرجه غيره): أخرجه أبو داود في "الصلاة" عن نصر بن علي الجهضمي ، وجعفر بن مسافر التنيسي ، كلاهما عن أبي عبد الرحمن المقري به، وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري ، عن أبيه به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: " ثم صلى " هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره " وصلى " بواو العطف.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ثمان ركعات " بفتح النون، وهو شاذ، وفي أكثر النسخ " ثماني ركعات " على الأصل.

                                                                                                                                                                                  قوله: " جالسا " نصب على الحال.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بين النداءين " أي الأذان للصبح والإقامة، وفي رواية الليث : " ثم يمهل حتى يؤذن بالأولى من الصبح، فيركع ركعتين "، ولمسلم من رواية يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة : " يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح " .

                                                                                                                                                                                  قوله: " ولم يكن يدعهما " أي لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يترك ركعتي الصبح اللتين بين النداءين.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أبدا " أي دائما، قيل انتصابه على الظرفية بمعنى دهرا، وقيل: هو موضوع على النصب كما في طرا وقاطبة.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 217 ] (ذكر ما يستفاد منه): فيه تأكيد ركعتي الفجر ، وأنهما من أشرف التطوع لمواظبته صلى الله تعالى عليه وسلم عليهما وملازمته لهما، وعند المالكية خلاف هل هي سنة أو من الرغائب ؟ فالصحيح عندهم أنها سنة، وهو قول جماعة من العلماء، وذهب الحسن البصري إلى وجوبها، وهو شاذ لا أصل له، نقله صاحب التوضيح. (فإن قلت): الذي ذكرته يدل على الوجوب كما قاله الحسن ، ولهذا ذكر المرغيناني عن أبي حنيفة أنها واجبة، وفي جامع المحبوبي روى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: لو صلى سنة الفجر قاعدا بلا عذر لا يجوز. (قلت): إنما لم يقل بوجوبها ; لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ساقها مع سائر السنن في حديث المثابرة هكذا قال أصحابنا، وليس فيه ما يشفي العليل، وقد روى أحاديث كثيرة في ركعتي الفجر، منها ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تدعوا ركعتي الفجر، ولو طردتكم الخيل " أي الفرسان، وهذا كناية عن المبالغة، وحث عظيم على مواظبتهما، وبه استدل أصحابنا أن الرجل إذا انتهى إلى الإمام في صلاة الفجر، وهو لم يصل ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة، ويدرك الأخرى يصلي ركعتي الفجر عند باب المسجد، ثم يدخل ولا يتركهما، وأما إذا خشي فوت الفرض فحينئذ يدخل مع الإمام ولا يصلي، ثم اختلف العلماء في الوقت الذي يقضيهما فيه ، فأظهر أقوال الشافعي يقضي مؤبدا ولو بعد الصبح، وهو قول عطاء وطاوس ، ورواية عن ابن عمر ، وأبى ذلك مالك ، ونقله ابن بطال عن أكثر العلماء، وقالت طائفة: يقضيهما بعد طلوع الشمس، روي ذلك عن ابن عمر والقاسم بن محمد ، وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور ، ورواية البويطي عن الشافعي ، وقال مالك ومحمد بن الحسن : يقضيهما بعد الطلوع إن أحب، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يقضيهما.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه مسلم من حديث سعيد بن هشام " عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " ورواه الترمذي نحوه، وقال: حديث حسن صحيح، وروى مسلم أيضا من حديث سعيد بن هشام " عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر لهما أحب من الدنيا جميعا " .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه أبو داود من حديث أبي زياد الكندي " عن بلال رضي الله تعالى عنه أنه حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليؤذنه بصلاة الغداة " الحديث، وفيه: " أن بلالا قال له: أصبحت جدا ؟ قال: أصبحت جدا، قال: لو أصبحت أكثر مما أصبحت لركعتهما وأحسنتهما وأجملتهما " ، ومنها ما رواه الترمذي من حديث يسار مولى ابن عمر ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين " ، وقال الترمذي : معنى هذا الحديث لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر.

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه الطبراني رحمه الله تعالى من رواية مطر الوراق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم " قال: لا صلاة إذا طلع الفجر إلا ركعتين " . ومنها ما رواه مسلم والنسائي من رواية زيد بن محمد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، " عن حفصة قالت: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين " . ومنها ما رواه ابن عدي في "الكامل" من رواية رشيد بن كريب ، عن أبيه، عن جده، " عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى: ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم قال: ركعتين قبل الفجر " .

                                                                                                                                                                                  ومنها ما رواه. .. من حديث قيس بن فهد " رآه النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد صلاة الفجر ركعتين فقال: يا رسول الله، إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قال الترمذي : هذا الحديث ليس بمتصل، وأخرجه ابن أبي خزيمة في صحيحه، ولفظه: " ما هاتان الركعتان ؟ قال: يا رسول الله، ركعتا الفجر لم أكن أصليهما، فهما هاتان. قال: فسكت عنه " . ومنها حديث عائشة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية