الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال ، وإن كان الخيار للمشتري ثلاثة أيام فمات قبل أن يختار فقد انقطع خياره ولزم البيع وكذلك إن كان الخيار للبائع فمات البائع أو كان الخيار لهما جميعا فماتا فقد لزم البيع وأجمعوا أنه إذا مات من عليه الخيار فإن الخيار باق ولا يورث خيار الشرط عندنا ، وقال الشافعي : يورث ويقوم وارث من له الخيار مقامه في التصرف بحكم الخيار ; لأن هذا حق لازم ثبت في عقد بيع فيخلف الوارث فيه المورث كما في ملك المبيع والثمن وحق الكفالة والرهن بخلاف خيار القبول فإنه غير لازم ولا ثابت في بيع منعقد ، وبخلاف الأجل فإنه ليس بثابت في البيع ، ولكنه صفة الدين ثم الإرث فيما ينتفع به الوارث أو المورث ، ولا منفعة لواحد منهما في إبقاء الأجل ، فإن ذمة الميت مرتهنة بالدين ما لم يقض عنه فلا نبسط يد الوارث في التركة لقيام الدين على المورث فأما في توريث الخيار فيه منفعة للوارث وللمورث جميعا فإن الضرر والعين يدفع به ، وربما يقولون هذا خيار ثابت في عين مبيعة فيخلف الوارث المورث فيه كخيار العيب ; ولأن البدل الذي من جانب من له الخيار يبقى على ملكه ما بقي خياره ، والوارث يخالف المورث فيما كان مملوكا له فإذا كان الملك باقيا للبائع في المبيع إلى وقت موته انتقل إلى وارثه ولا يبطل العقد بهذا الانتقال فمن ضرورة انتقال الملك إلى الوارث مع بقاء العقد انتقال الخيار إليه ليقوم الوارث مقام المورث في التصرف بحكمه .

وحجتنا ما قال في الكتاب إن البيع منعقد مع الخيار ، وقد كان الخيار مشيئته [ ص: 43 ] في رده ولا يتحول بالموت مشيئته إلى غيره ; لأن إرادته ومشيئته صفة فلا يحتمل الانتقال منه إلى غيره ، وإنما يورث ما يحتمل الانتقال إلى الوارث فأما ما لا يحتمل الانتقال إلى الوارث لا يورث كملكه في منكوحته وأم ولده ، وكذلك العقد لا ينتقل إلى الوارث ; لأنه إنما يورث ما كان قائما والعقد قول قد مضى ولا يتصور انتقاله إلى الوارث ، وإنما يملك الوارث الإقالة لقيامه مقام المورث في الملك لا في العقد فإن الملك يثبت ولاية الإقالة ألا ترى أن إقالة الموكل مع البائع صحيحة والعاقد هو الوكيل دون الموكل ، وإنما يخلفه في الملك الباقي بعد موته ولما انقطع خياره بالموت صارت العين مملوكة للمشتري ووارث البائع لا يخلفه في ملك العين .

وهذا لأن البيع سبب موجب للملك والخيار مانع فإذا سقط صار كأن لم يكن ولهذا ملك المشتري المعقود عليه بزوائده المتصلة والمنفصلة فأما خيار العيب لا يقول بأنه يورث ولكن سبب الخيار يتقرر في حق الوارث وهو استحقاق المطالبة بتسليم الجزء الفائت ; لأن ذلك جزء من المال مستحق للمشتري بالعقد فإذا طالب البائع بتسليمه وعجز عن التسليم فسخ العقد لأجله ، وقد وجد هذا المعنى في حق الوارث ; لأنه يخلف المشتري في ملك ذلك الجزء ، ألا ترى أن الخيار قد يثبت ابتداء للوارث ، وإن لم يكن ثابتا للمورث بأن يتغيب المبيع في يد البائع بعد موت المشتري قبل أن يقبضه الوارث بخلاف خيار الشرط فإن السبب وهو الشرط لا يوجد في حق الوارث ولا يمكن التوريث له فيه ، ولأن المشروط له الخيار مسلط على الفسخ من جهة صاحبه ; لأن الخيار يشترط للفسخ لا للإجازة وهو مالك للفسخ في حق نفسه بدون شرط الخيار فإنما يشترط الخيار ليفسخ العقد في حق صاحبه ، والمسلط على التصرف في حق الغير لا يقوم وارثه مقامه بعد موته كالوكيل بالبيع إذا مات بخلاف خيار العيب فالمقصود هناك ليس هو الفسخ ، ولكن المطالبة بتسليم ما هو المستحق بالعقد حتى إذا تعذر الرد بالعيب رجع بحصة البيع من الثمن ، والوارث يخلف المورث فيما هو مال ولأن هذه مدة ملحقة بالعقد شرطا فلا تبقى بعد موت من هي له كالأجل فإنه حق لمن عليه الدين قبل من له الدين فيبطل لموته ولا معنى لقوله بأن الأجل صفة الدين ; لأن الدين حق المطالب والأجل حق المطلوب فكيف يكون صفة للدين وفي إبقاء الأجل فائدة ، فربما لا يكون في تركته ما بدينه ثم يصير عند حلول الأجل فيها وفاء بالدين يتم بغير السعر أو يتصرف الوارث في التركة ; لأنه إنما لا يبسط في التركة يده إذا حل الأجل فأما إذا بقي الأجل قام الوارث مقام المورث في [ ص: 44 ] التصرف في التركة ومع هذا لم يبق الأجل فكذلك الخيار .

وكذلك إذا سكت من له الخيار حتى مضت الثلاثة أو ذهب عقله أو أغمي عليه أو ارتد فقتل أو مات ; لأنه عجز عن التصرف بحكم الخيار ، وقد تقرر ذلك بمضي المدة فلزم البيع ، وهذا لأن الخيار المؤقت لا يبقى بعد مضي الوقت والبيع في الأصل لازم ، وإنما الخيار كان مانعا من اللزوم فبأي وجه سقط صار كأن لم يكن

التالي السابق


الخدمات العلمية