الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1108 188 - حدثنا بشر بن الحكم، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع حتى يؤذن بالصلاة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر، وكانت عائشة مستيقظة كان يتحدث معها ولا يضطجع، فدل ذلك أن الاضطجاع لا يتعين للفصل كما ذكرنا.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم خمسة:

                                                                                                                                                                                  الأول: بشر بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن الحكم بالحاء المهملة والكاف المفتوحتين العبدي بسكون الباء الموحدة النيسابوري، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين.

                                                                                                                                                                                  الثاني: سفيان بن عيينة .

                                                                                                                                                                                  الثالث: أبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، واسمه سالم بن أبي أمية مولى عمر بن عبيد الله بن معمر القرشي التيمي .

                                                                                                                                                                                  الرابع: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  الخامس: عائشة .

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في موضعين، وفيه أن شيخه نيسابوري كما ذكرنا، وسفيان مكي ، وسالم وأبو سلمة مدنيان.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 220 ] (ذكر تعدد موضعه، ومن أخرجه غيره): أخرجه البخاري أيضا عن علي بن عبد الله ، وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وابن عمر ، ونصر بن علي ، عن سفيان ، وأخرجه الترمذي فيه عن يوسف بن عيسى ، عن عبد الله بن إدريس كلاهما، عن مالك ، عن أبي النضر نحوه ولفظه: " قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كانت له إلي حاجة كلمني وإلا خرج إلى الصلاة " ، وأخرجه أبو داود ، عن يحيى بن حكيم ، عن بشر بن عمر ، عن مالك بن أنس بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته من آخر الليل، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن كنت نائمة أيقظني، وصلى الركعتين، ثم اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح، فيصلي ركعتين خفيفتين، ثم يخرج إلى الصلاة .

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه):

                                                                                                                                                                                  قوله: " إذا صلى " أي ركعتي الفجر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وإلا " أي وإن لم أكن مستيقظة اضطجع.

                                                                                                                                                                                  قوله: " حتى نودي " من النداء على صيغة المجهول هذا في رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره: " حتى يؤذن " بضم الياء آخر الحروف وتشديد الذال المعجمة المفتوحة على صيغة المجهول.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): فيه الحجة لمن نفى وجوب الاضطجاع ، ومنه استدل بعضهم على عدم استحبابه، ورد بأنه لا يلزم من تركه صلى الله عليه وسلم حين كون عائشة مستيقظة عدم الاستحباب، وإنما تركه في ذلك يدل على عدم الوجوب، (فإن قلت): في رواية أبي داود من طريق مالك أن كلامه صلى الله عليه وسلم لعائشة كان بعد فراغه من صلاة الليل، وقبل أن يصلي ركعتي الفجر. (قلت): لا مانع من أن يكلمها قبل ركعتي الفجر وبعدهما، وأن بعض الرواة عن مالك اقتصر على هذا، واقتصر بعضهم على الآخر، وفيه أنه لا بأس بالكلام بعد ركعتي الفجر مع أهله وغيرهم من الكلام المباح، وهو قول الجمهور، وهو قول مالك والشافعي ، وقد روى الدارقطني في غرائب مالك بإسناده إلى الوليد بن مسلم " قال: كنت مع مالك بن أنس نتحدث بعد طلوع الفجر، وبعد ركعتي الفجر، ويفتي به أنه لا بأس بذلك "، وقال أبو بكر بن العربي : وليس في السكوت في ذلك الوقت فضل مأثور، إنما ذلك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، وفي التوضيح اختلف السلف في الكلام بعد ركعتي الفجر فقال نافع : كان ابن عمر ربما يتكلم بعدهما ، وعن الحسن وابن سيرين مثله، وكره الكوفيون الكلام قبل صلاة الفجر إلا بخير، وكان مالك يتكلم في العلم بعد ركعتي الفجر، فإذا سلم من الصبح لم يتكلم مع أحد حتى تطلع الشمس، وقال مجاهد : رأى ابن مسعود رجلا يكلم آخر بعد ركعتي الفجر، فقال: إما أن تذكر الله، وإما أن تسكت، وعن سعيد بن جبير مثله.

                                                                                                                                                                                  وقال إبراهيم : كانوا يكرهون الكلام بعدها، وهو قول عطاء ، وسئل جابر بن زيد هل يفرق بين صلاة الفجر وبين الركعتين قبلها بكلام قال: لا إلا أن يتكلم بحاجة إن شاء، ذكر هذه الآثار ابن أبي شيبة ، والقول الأول أولى بشهادة السنة الثابتة له، ولا قول لأحد مع السنة، وذكر بعض العلماء أن الحكمة في كلامه صلى الله عليه وسلم لعائشة وغيرها من نسائه بعد ركعتي الفجر أن يقع الفصل بين صلاة الفرض وصلاة النفل بكلام أو اضطجاع، ولذلك نهى الذي وصل بين صلاة الصبح وغيرها بقوله: " آلصبح أربعا " وكما جاء في الحديث الصحيح: " إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصلها بصلاة حتى يتكلم أو يخرج " وكما نهى عن تقدم رمضان بصوم، وعن تشييعه بصوم بتحريم صوم يوم العيد ; ليتميز الفرض من النفل. (فإن قلت): الفصل حاصل بخروجه من حجر نسائه إلى المسجد، فإنه كان يصلي ركعتي الفجر في بيته، وقد اكتفى في الفصل في سنة الجمعة بخروجه من المسجد، فينبغي أن يكتفي في الفصل بخروجه من بيته إلى المسجد. (قلت): لما كانت حجر أزواجه شارعة في المسجد لم ير الفصل بالخروج منها، بل فصل بالاضطجاع أو بالكلام، أو بهما جميعا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية