الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

وقد اتفق أصحابنا على أنه يطوف ويسعى ثم يحل ، واختلفت عباراتهم في هذا العمل ، فقال أكثرهم : يتحلل بعمرة ويخرج من إحرام الحج إلى إحرام العمرة بمنزلة الذي يفسخ الحج إلى العمرة ، صرح بذلك أبو بكر [ ص: 662 ] والقاضي وأصحابه وغيرهم ، وهو المفهوم من كلام أحمد والخرقي ، قالا : إذا فاته الحج تحلل بعمرة ، بل هو المنصوص صريحا عن أحمد ، لأنه نص على أن من فاته الحج بعد أن طاف وسعى أنه يتحلل بعمرة ، ولو كان إنما يفعل طواف الحج وسعيه لم يحتج إلى سعي ثان .

ثم اختلفت عبارة هؤلاء ، فقال القاضي وأصحابه : يتحول إحرامه بالحج إحراما بعمرة ، فعلى هذا لا يحتاج إلى قصد وإرادة ؛ لأن أحمد قال : يكفيه الإهلال الأول .

وقال أبو بكر : إذا فاته الحج جعله عمرة وعليه دم ، قال أحمد : إذا فاته الحج جعلها عمرة .

وقال ابن حامد : إحرام الحج باق ، ويتحلل منه بعمل عمرة ، وهو ظاهر كلام المصنف .

[ ص: 663 ] وذكر القاضي أن قول أحمد - في رواية ابن القاسم - في الذي يفوته الحج : يفرغ من عمله إيماء إلى هذا القول ؛ وذلك لأن الإحرام بالحج أوجب عليه أفعالها كلها ، فتعذر الوقوف وما يتبعه لا يوجب تعذر الطواف وما يتبعه ، فوجب أن يكون هذا الطواف هو الطواف الذي أوجبه إحرام الحج .

ونحن وإن قلنا : إنه يجوز له فسخ الحج إلى العمرة ، فإنما ذاك أن يفسخ باختياره ، ويأتي بعد ذلك بالحج ، وهنا الانتقال إلى العمرة يصير واجبا ، ولا حج معه ، فكيف يقاس هذا على فسخ الحج إلى العمرة ؟

والأول : أصح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الحج عرفة " وبين أن من لم يدركها ، لم يدرك الحج ، فلو كان قد بقي بعض أعمال الحج لكان إنما فاته بعض الحج ، ولكان قد أدرك بعض الحج ، ولم يكن فرق بين قوله : " الحج عرفة " ، والحج الطواف بالبيت ، لو كان كل منهما يمكن فعله مع فوت الآخر ، فلما قال : " الحج عرفة " علم أن سائر أفعال الحج معلقة به ، فإذا وجد أمكن أن يوجد غيره ، وإذا انتفى امتنع أن يوجد غيره .

وأيضا : فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلهم صرحوا بأنه يجعلها عمرة ، ومنهم من قال : " يهل بعمرة " .

وهذا كله دليل بين في أنه يجعل إحرامه بالحج عمرة ويهل بها ، كما قد يجعل الرجل صلاة الفرض نفلا . نعم قد روي في بعض الطرق أن عمر قال لأبي أيوب : " اصنع كما يصنع المعتمر وقد حللت ، فإذا أدركت قابل فاحجج ، وأهد ما تيسر من الهدي " رواه النجاد . وهذا كقول النبي - صلى الله عليه وسلم [ ص: 664 ] لعائشة - لما حاضت - : " اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " .

وأيضا : فإن طواف الحج الواجب بعد التعريف ، كما أن الوقوف بمزدلفة لا يصح إلا بعده ؛ لأن الله قال : ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ) فمن لم يعرف كيف يطوف للحج ولم يقض تفثه ولم يوف نذره ؟

وأيضا : فإن العبادة المؤقتة التي يشترط الوقت لصحتها إذا فاتت زالت جميعها كالجمعة ، ولا يجوز أن يتمم شيء منها على أنه منها بعد خروج وقتها ، فكيف يجوز أن يقال : قد فاته الحج ويمضي فيما بقي من أفعال الحج ؟

نعم لما كان الإحرام يجب عليه إتمامه ، وإتمامه إنما يكون في حج أو عمرة ، وقد تعذر إتمامه لحجة ، أتمه لعمرة ؛ لأنه لا يجوز أن يخرج من الإحرام إلا بالتحلل ، ولا يتحلل من قدر على البيت إلا بعمرة أو حج ، فكان انتقاله إلى ما هو جنسه العبادة التي تضمنته العبادة أشبه ، وهذا كمن أحرم بالفرض قبل وقته ، فإنه يصير نفلا ؛ لأن الصلاة اشتملت على شيئين ، فإذا امتنع أحدهما .... الآخر ، كذلك الحج الأصغر هو بعض الأكبر ، فإذا تعذر الأكبر بقي الأصغر .

وأيضا : فإن كونه يجوز فسخ الحج إلى العمرة ، فإنما ذاك إذا أمكن إتمامه كما أمر الله ، فأما إذا لم يمكن إتمامه صار انتقاله إلى العمرة ضرورة ، و.... غيره . فائدة هذا أنه إذا قلنا : يجعل إحرامه عمرة .... ، وأن يحج كان بمنزلة من أدخل عمرة على إحرامه بالحج قبل أشهر الحج ، وأما ..... أحرم بعمرة لم [ ص: 665 ] يصح على القولين . ولو أراد أن يبقى محرما إلى عام قابل فيحج به لم يكن له ذلك .

ولو بقي إلى عام قابل ، وطاف وسعى في أشهر .... متمتعا ، ولو كان قارنا فإنه يفعل عمرة الفوات ، وعمرة القران .... للحج وليس عليه إلا دم واحد .... ابن أبي موسى ، ومن أهل بح .... الحج أجزأه دم واحد .... .

التالي السابق


الخدمات العلمية