الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم إن ما يوجد من المتفق المفترق غير مقرون ببيان، فالمراد به قد يدرك بالنظر في رواياته، فكثيرا ما يأتي مميزا في بعضها، وقد يدرك بالنظر في حال الراوي والمروي عنه، وربما قالوا في ذلك بظن لا يقوى .

حدث القاسم المطرز يوما بحديث عن أبي همام أو غيره، عن الوليد بن مسلم، عن سفيان، فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ: من سفيان هذا؟ فقال : هذا الثوري، فقال له أبو طالب : بل هو ابن عيينة، فقال له المطرز : من أين قلت؟ فقال : "لأن الوليد قد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة، وهو مليء بابن عيينة" والله أعلم .

[ ص: 1325 ]

التالي السابق


[ ص: 1325 ] 236 - قوله: (حدث القاسم المطرز يوما بحديث عن أبي همام أو غيره، عن الوليد بن مسلم، عن سفيان، فقال له أبو طالب بن نصر الحافظ: من [ ص: 1326 ] سفيان هذا؟ فقال : هذا الثوري، فقال له أبو طالب : بل هو ابن عيينة، فقال له المطرز : من أين قلت؟ فقال : لأن الوليد قد روى عن الثوري أحاديث معدودة محفوظة، وهو مليء بابن عيينة. والله أعلم) انتهى.

قلت: أقر المصنف تصويب كلام الحافظ أبي طالب أحمد بن نصر، وتعليل ذلك بكون الوليد بن مسلم مليئا بابن عيينة، وفيه نظر من حيث إنه لا يلزم من كونه مليئا بابن عيينة - على تقدير تسليمه - أن يكون هذا من حديثه عنه إذا أطلقه، بل يجوز أن يكون هذا من تلك الأحاديث المعدودة التي رواها الوليد عن سفيان الثوري، وإذا عرف ذلك فإني لم أر في شيء من كتب التواريخ وأسماء الرجال رواية الوليد بن مسلم، عن سفيان بن عيينة البتة، وإنما رأيت فيها ذكر روايته عن سفيان الثوري، وممن ذكر ذلك البخاري في (التاريخ الكبير) وابن عساكر [ ص: 1327 ] في (تاريخ دمشق) والمزي في (التهذيب) وكذلك لم أر في شيء من كتب الحديث رواية الوليد عن ابن عيينة، لا في الكتب الستة ولا غيرها.

وروايته عن الثوري في (السنن الكبرى) للنسائي، فروى في (اليوم والليلة) حديثا عن الجارود بن معاذ الترمذي، عن الوليد بن مسلم، عن سفيان الثوري. والله أعلم.

ويرجح ذلك وفاة الوليد بن مسلم قبل سفيان بن عيينة بزمن؛ فإن الوليد حج سنة أربع وتسعين ومائة، ومات بعد انصرافه من الحج قبل أن يصل إلى دمشق في المحرم سنة خمس وتسعين، وقيل: مات في بقية سنة أربع، وتأخر سفيان بن عيينة إلى سنة ثمان وتسعين، وتوفي الثوري سنة إحدى وستين ومائة، فالظاهر أن ما قاله القاسم بن زكريا المطرز من أنه الثوري هو الصواب. والله أعلم.




الخدمات العلمية