الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2483 حدثنا حفص بن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة قال حدثني النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العمرى جائزة وقال عطاء حدثني جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن بشير ) بالمعجمة وزن عظيم ( ابن نهيك ) بالنون وزن ولده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( العمرى جائزة ) فهم قتادة وهو راوي الحديث من هذا الإطلاق ما حكيته عنه ، وحمله الزهري على التفصيل الماضي ، وإطلاق الجواز في هذه الرواية لا يفهم منه غير الحل أو الصحة ، وأما حمله على الماضي للذي يعاطاها وهو الذي حمله عليه قتادة فيحتاج إلى قدر زائد على ذلك ، وقد أخرج النسائي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا " لا عمرى ، فمن أعمر شيئا فهو له " وهو يشهد لما فهمه قتادة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عطاء حدثني جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ) في رواية غير أبي ذر " نحوه " [ ص: 284 ] بدل مثله ، وطريق عطاء موصولة بالإسناد المذكور عن قتادة عنه ، فقتادة هو القائل : " وقال عطاء " ووهم من جعله معلقا ، وقد بين ذلك أبو الوليد عن همام أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريقه بالإسنادين جميعا ولفظهما واحد ; وهو يقوي رواية أبي ذر ، وقد رواه مسلم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ " العمرى ميراث لأهلها " .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : ترجم المصنف بالرقبى ولم يذكر إلا الحديثين الواردين في العمرى ، وكأنه يرى أنهما متحدا المعنى وهو قول الجمهور ، ومنع الرقبى مالك وأبو حنيفة ومحمد ، ووافق أبو يوسف الجمهور ; وقد روى النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا " العمرى والرقبى سواء " وله من طريق إسرائيل عن عبد الكريم عن عطاء قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العمرى والرقبى . قلت : وما الرقبى ؟ قال : يقول الرجل للرجل هي لك حياتك ، فإن فعلتم فهو جائز " هكذا أخرجه مرسلا ، وأخرجه من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر مرفوعا " لا عمرى ولا رقبى ، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته " رجاله ثقات ، لكن اختلف في سماع حبيب له من ابن عمر : فصرح به النسائي من طريق ، ومعناه في طريق أخرى .

                                                                                                                                                                                                        وقال الماوردي : اختلفوا إلى ماذا يوجه النهي ؟ والأظهر أنه يتوجه إلى الحكم ، وقيل يتوجه إلى اللفظ الجاهلي والحكم المنسوخ ، وقيل النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة ، أما إذا كان صحة المنهي عنه ضررا على مرتكبه فلا يمنع صحته كالطلاق في زمن الحيض ، وصحة العمرى ضرر على المعمر ، فإن ملكه يزول بغير عوض ، هذا كله إذا حمل النهي على التحريم ، فإن حمل على الكراهة أو الإرشاد لم يحتج إلى ذلك ، والقرينة الصارفة ما ذكر في آخر الحديث من بيان حكمه ، ويصرح بذلك قوله : " العمرى جائزة " وللترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر رفعه " العمرى جائزة لأهلها ، والرقبى جائزة لأهلها " والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قال بعض الحذاق : إجازة العمرى والرقبى بعيد عن قياس الأصول ، ولكن الحديث مقدم ، ولو قيل بتحريمهما للنهي ، وصحتهما للحديث لم يبعد ، وكأن النهي لأمر خارج وهو حفظ الأموال ، ولو كان المراد فيهما المنفعة كما قال مالك لم ينه عنهما ، والظاهر أنه ما كان مقصود العرب بهما إلا تمليك الرقبة بالشرط المذكور ، فجاء الشرع بمراغمتهم فصحح العقد على نعت الهبة المحمودة ، وأبطل الشرط المضاد لذلك فإنه يشبه الرجوع في الهبة ، وقد صح النهي عنه وشبه بالكلب يعود في قيئه . وقد روى النسائي من طريق أبي الزبير عن ابن عباس رفعه العمرى لمن أعمرها والرقبى لمن أرقبها ، والعائد في هبته كالعائد في قيئه فشرط الرجوع المقارن للعقد مثل الرجوع الطارئ بعده فنهى عن ذلك ، وأمر أن يبقيها مطلقا أو يخرجها مطلقا ، فإن أخرجها على خلاف ذلك بطل الشرط وصح العقد مراغمة له . وهو نحو إبطال شرط الولاء لمن باع عبدا كما تقدم في قصة بريرة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية