الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ، في هذه الآية الكريمة للعلماء أوجه من التفسير : بعضها يشهد له القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      منها : أن المعنى فما كانوا ليؤمنوا بما سبق في علم الله يوم أخذ الميثاق أنهم يكذبون به ، ولم يؤمنوا به ، لاستحالة التغير فيما سبق به العلم الأزلي ، ويروى هذا عن أبي بن كعب وأنس ، واختاره ابن جرير ، ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله : إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون الآية [ 10 \ 96 ] ، وقوله : وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون [ 10 \ 101 ] ، ونحو ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنها : أن معنى الآية أنهم أخذ عليهم الميثاق ، فآمنوا كرها ، فما كانوا ليؤمنوا بعد ذلك طوعا . ويروى هذا عن السدي وهو راجع في المعنى إلى الأول .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنها : أن معنى الآية أنهم لو ردوا إلى الدنيا مرة لكفروا أيضا ، فما كانوا ليؤمنوا في الرد إلى الدنيا بما كذبوا به من قبل ؛ أي في المرة الأولى ، ويروى هذا عن مجاهد . ويدل لمعنى هذا القول قوله تعالى : ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه الآية [ 6 \ 28 ] لكنه بعيد من ظاهر الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 38 ] ومنها : أن معنى الآية : فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم ، وهذا القول حكاه ابن عطية ، واستحسنه ابن كثير ، وهو من أقرب الأقوال لظاهر الآية الكريمة . ووجهه ظاهر ; لأن شؤم المبادرة إلى تكذيب الرسل سبب للطبع على القلوب والإبعاد عن الهدى ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة ، كقوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم [ 4 \ 155 ] ، وقوله : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم [ 61 \ 5 ] ، وقوله : في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا [ 2 \ 10 ] ، وقوله : ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم [ 63 \ 3 ] إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد تكون فيها أوجه من التفسير كلها يشهد له قرآن ، وكلها حق . فنذكر جميعها ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية