الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثاني عشر ) من أوجه الكلام على الخنثى في العلامات التي يستدل بها على ذكوريته وأنوثيته ، وكان ينبغي تقديم هذا الوجه كما فعل غالب الفرضيين لكن تبعنا المصنف في تأخير الكلام عليه ، فأول العلامات التي يستدل بها على ذلك : البول قال العقباني ففي النسائي أنه عليه الصلاة والسلام قال { يورث من حيث يبول } لكنه ضعيف السند ، قال العقباني نعم وضعيف [ ص: 430 ] المتن ; لأن الكلام في الاستدلال على توريثه لا في الإرث عنه إلا أن يكون لفظ يورث بفتح الواو وتشديد الراء لا بسكون الواو ، وتخفيف الراء فيستقيم حينئذ المتن انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) والظاهر أن لفظ الحديث كذلك ، والله أعلم قال في المدونة ويحكم في الخنثى بمخرج البول في نكاحه وميراثه ، وشهادته وغير ذلك وما اجترأنا على سؤال مالك عنه انتهى . وقال ابن يونس ومن المدونة قال ابن القاسم : " الحكم في الخنثى بمخرج البول فإن كان يبول من ذكره فهو رجل ، وإن كان يبول من فرجه فهو جارية ; لأن النسل من المبال ، وفيه الوطء فيكون ميراثه ، وشهادته وكل أمره على ذلك وما اجترأنا على سؤال مالك عنه انتهى .

                                                                                                                            ونقل اللخمي عن ابن القاسم نحوه ، ثم قال قوله المراعى ما يكون منه الولد صحيح ، وقوله : إنه يخرج من مخرج البول غير صحيح ; لأن مخرجه غير مخرج الحيض الذي هو مخرج الولد ومحل الوطء انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن عرفة وقبله ، وقال العقباني : عندي أنه لا تلزمه هذه المضايقة ، وإنما قصد أن البول إذا خرج من الذكر دل على أن المني يخرج من الذكر ، وأن الفرج الآخر لا يخرج منه مني ولا ولد ، وأن البول إذا خرج من الفرج دل على أن ذلك هو محل الوطء ، وأنه لا يكون بالذكر فعلى هذا يحمل كلامه انتهى .

                                                                                                                            فإن بال من أحد الفرجين فقط حكم بأنه من أهل ذلك الفرج ، قال العقباني : ويستدل بالبول قبل غيره لعموم الاستدلال به في الصغير والكبير ولدوام وجوده فإن كان صغيرا لا يحرم النظر إلى عورته نظر إليه ، وإن كان كبيرا فقيل : ينظر في المرآة ، وقيل : يبول على حائط أو متوجها إلى حائط قريب فيستدل باندفاع البول على الحائط أو إلى الحائط على الذكورة ، وبخلاف ذلك على الأنوثة فلو بال من المحلين اعتبر الأكثر ، والأسبق ، وأنكر الشافعي اعتبار الأكثر ، ورآه متعذرا ، وقال أيكال البول أو يوزن ؟ ، واختلف إذا كان أحدهما الأكثر ، والآخر الأسبق انتهى .

                                                                                                                            وإلى هذا أشار المصنف بقوله .

                                                                                                                            ص ( فإن بال من واحد وكان أكثر أو أسبق )

                                                                                                                            ش : أي فلا إشكال وظاهر كلام المصنف وكلام العقباني تقديم اعتبار الكثرة على السبق ، وهو صريح كلام الجواهر الآتي وهو خلاف ما قاله اللخمي وابن يونس وقبله أبو الحسن قال اللخمي قال ابن حبيب فإن بال منهما فمن حيث سبق فإن لم يسبق أحدهما فمن حيث يخرج الأكثر فإن لم يكن أحدهما أسبق ، ولا أكثر ، وكانت له لحية كان على حكم الغلام ، وإن لم تكن له لحية ، وكان له ثدي فعلى حكم المرأة فإن لم يكونا أو كانا كان له نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ، ولا يجوز له نكاح انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن يونس فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق قال أيوب فإن خرج منهما معا ، فقال أبو يوسف وبعض أصحاب أبي حنيفة ينظر من أيهما خرج أكثر فيكون الحكم ، قال شيخنا عتيق وأنكر ذلك الشعبي ، وقال أيكال البول أو يوزن ؟ ،

                                                                                                                            والأولى ما قالته الجماعة ; لأن الأقل تبع للأكثر في أكثر الأحكام ، ونقل شيخنا زكرياء في شرح الفصول عن القاضي أظنه الماوردي أنه قال : أسكت أبو حنيفة أبا يوسف في الخنثى فإنه سأل أبا حنيفة بم تحكم في الخنثى ؟ فقال بالبول ، فقال أرأيت لو كان يبول بهما ، فقال : لا أدري ، فقال أبو يوسف : لكني أدري أحكم بأسبقهما فقال : أرأيت لو استويا في الخروج فقال : أحكم بالكثرة ، فقال أبو حنيفة : أيكال أم يوزن ، فسكت أبو يوسف انتهى .

                                                                                                                            وقد صرح الشافعية بأنه يحكم بالمتأخر إذا استويا في الخروج ، وأما إذا سبق أحدهما ، فالحكم له ولو تأخر الآخر ، ولو بال من أحدهما مرة ، ومن الآخر أخرى أو سبق أحدهما تارة ، والآخر أخرى فالعبرة بالأكثر فإن استويا فمشكل ، والله أعلم .

                                                                                                                            فإن لم يتبين في البول أمر أمهل إلى البلوغ فإن أمنى من أحد الفرجين فواضح أو حصل حيض أو حمل أو نبتت له لحية أو ثدي [ ص: 431 ] حكم له بما يقتضيه قال العقباني : ولا شك أن أقوى ذلك الولادة فإن حصل ولادة من البطن قطع بالأنوثة أو من الظهر قطع بالذكورة إلا أنها لا يكاد يقطع بها وقيل إنها نزلت بعلي رضي الله عنه وهي أن رجلا تزوج بابنة عمه ، وكانت خنثى فوقعت على جارية لها فأحبلتها فقال له علي : هل أصبتها بعد إحبال الجارية قال ؟ نعم ، قال : علي : إنك لأجرأ من خاصي الأسد فأمر علي بعد أضلاع الخنثى فإذا هو رجل فزياه بزي الرجال .

                                                                                                                            وانظر لو وقع مثل هذا فإن وقعت الولادة من الظهر والبطن فالظاهر عندي أن الحكم لولادة البطن ; لأنها قطعية ، وقد روي عن قاسم بن أصبغ أنه رأى بالعراق خنثى ولد له من صلبه ، وبطنه قال العقباني وانظر أي نسب بين المولودين وهل بينهما توارث والظاهر لا نسب بينهما ولا ميراث وفي جواز النكاح بينهما إن كان ذكرا أو أنثى نظر انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) ما ذكره من أنه إذا وقعت الولادة من الظهر والبطن فالظاهر عنده أن الحكم لولادة البطن فكأنه لم يطلع على كلام المقدمات المتقدم ذكره في الوجه العاشر من أنه يرث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملا ، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملا ، وأما ما ذكره من الحكم بين المولودين فقال في التوضيح قال أبو عبد الله بن قاسم ورأيت لمالك في بعض التعاليق أن مثل هذين لا يتوارثان ; لأنهما لم يجتمعا في ظهر ولا بطن فليسا أخوين لأب ولا أم انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) وأطلق الفاكهاني عليهما لفظ الإخوة ونظر فيما إذا ملك أحدهما الآخر هل يعتق عليه أم لا ؟ ونصه في شرح قول الرسالة : " ومن مالك أبويه الخنثى المشكل إذا ولد له من ظهره وبطنه فملك أحد الأخوين أخاه فهل يعتق عليه ؟ لم أر فيه نقلا فلينظر انتهى . فعلى ما تقدم من أنه لا نسب بينهما ولا توارث ولا أخوة لأب ، ولا لأم فلا يعتق أحدهما على الآخر ، والله أعلم .

                                                                                                                            وفي الجواهر إذا كان ذا فرجين فيعطي الحكم لما بال منه فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيهما فإن استويا اعتبر السبق فإن كان ذلك منهما معا اعتبرنا اللحية وكبر الثديين ، ومشابهتهما لثدي النساء فإن اجتمع الأمران اعتبر الحال عند البلوغ فإن وجد الحيض حكم به ، وإن وجد الاحتلام حكم به ، وإن اجتمعا فمشكل ، وإن لم يكن له فرج النساء ولا الرجال ، وإنما له مكان يبول منه انتظر بلوغه فإن ظهرت علامة تمييز وإلا فمشكل انتهى . ونقله في الذخيرة ، ثم قال بعد : وإذا انتهى الإشكال عدت الأضلاع فللرجال ثمانية عشر ضلعا من الجانب الأيمن ، ومن الأيسر سبعة عشر ، وللمرأة ثمانية عشر من كل جانب ; لأن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم الأيسر فبقي الذكر ناقصا ضلعا من الجانب الأيسر قضى به علي رضي الله عنه انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن يونس إثر كلامه المتقدم في الأسبق والأكثر : فإن بال منهما جميعا متكافئا فمشكل في حد الصغر ، ثم ينظر في كبره وبلوغه فإن نبتت له لحية ولم ينبت له ثدي فهو رجل ; لأن اللحية علامة التذكير ، وإن لم تنبت لحية وخرج ثدي فهو امرأة ; لأن الثدي يدل على الرحم وتربية الولد فإن لم ينبتا أو نبتا جميعا نظر فإن حاضت فهي امرأة ، وإن احتلم فهو ذكر فإن حاض واحتلم أو لم يكن شيء من ذلك فمشكل عند من تكلم على الخنثى إلا على قولة شاذة ذهب إليها بعض الناس أنه ينظر إلى عدد أضلاعه ، ثم ذكر ما ذكره القرافي وزاد إن الله سبحانه وتعالى لما خلق آدم ألقى عليه النوم فاستل من جانبه الأيسر ضلعا خلق منه حواء ، ثم قال ، وعند هذا القائل لا يكون مشكلا في صغر أو كبر قال أيوب وإليه ذهب الحسن البصري وتبعه عمرو بن عبيد قال والجماعة على خلافهما انتهى .

                                                                                                                            وذكر العقباني قول من يعد الأضلاع ، وقال : إن منهم من يقول : أضلاع الرجل ستة عشر ، وأضلاع المرأة سبعة عشر ، ومنهم من يقول : أضلاع الرجل سبعة عشر وأضلاع المرأة ثمانية عشر [ ص: 432 ] واتفقوا على أن أضلاع الرجل تساوي أضلاع المرأة من أحد الجانبين واختلفوا من أي جانب الزيادة والذين قالوا : إن المرأة تزيد بضلع اعتمدوا في ذلك ما رواه الطبراني عن بعض التابعين ورواه ابن عباس أن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم وهي القصرى استلت منه ، وهو نائم وأيد هذا بما في الصحيحين من قوله عليه السلام { إن المرأة خلقت من ضلع أعوج } الحديث ، وفي إثبات الأحكام يمثل هذا ضعف والعيان يدل على خلافه ، فقد أطبق خلق كثير من أهل التشريح على أنهم عاينوا أضلاع الصنفين متساوية العدد انتهى .

                                                                                                                            والضلع : بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام ، وتسكين اللام جائز قاله في الصحاح وقول علي رضي الله عنه " أجرأ من خاصي الأسد " فأجرأ بالهمز من الجرأة وهي الشجاعة ، " وخاصي الأسد " بلا همز من خصى يخصي ، والله أعلم .

                                                                                                                            ولم يعتبر الشافعية الأضلاع ولا اللحية ولا الثدي ولا نزول اللبن على الأصح عندهم وذكروا له علامة أخرى ، وهي ميله إلى أحد الصنفين ، وقالوا إنه يصدق في ذلك .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية