الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 169 ] ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن هذا النوع أيضا من قبائح أفعالهم : ( وإذا قيل لهم ) يعني به اليهود : ( بما أنزل الله قالوا ) أي بكل ما أنزل الله ، والقائلون بالعموم احتجوا بهذه الآية على أن لفظة " ما " بمعنى الذي تفيد العموم ، قالوا : لأن الله تعالى أمرهم بأن يؤمنوا بما أنزل الله ، فلما آمنوا بالبعض دون البعض ذمهم على ذلك ولولا أن لفظة " ما " تفيد العموم لما حسن هذا الذم ، ثم إنه تعالى حكى عنهم أنهم لما أمروا بذلك : ( قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) يعني بالتوراة وكتب سائر الأنبياء الذين أتوا بتقرير شرع موسى عليه السلام ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم يكفرون بما وراءه وهو الإنجيل والقرآن . وأورد هذه الحكاية عنهم على سبيل الذم لهم وذلك أنه لا يجوز أن يقال لهم آمنوا بما أنزل الله إلا ولهم طريق إلى أن يعرفوا كونه منزلا من عند الله وإلا كان ذلك تكليف ما لا يطاق وإذا دل الدليل على كونه منزلا من عند الله وجب الإيمان به ، فثبت أن الإيمان ببعض ما أنزل الله دون البعض تناقض .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وهو الحق مصدقا لما معهم ) فهو كالإشارة إلى ما يدل على وجوب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبيانه من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ما دل عليه قوله تعالى : ( وهو الحق ) أنه لما ثبتت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بالمعجزات التي ظهرت عليه ، فإنه عليه الصلاة والسلام أخبر أن هذا القرآن منزل من عند الله تعالى وأنه أمر المكلفين بالإيمان به وكان الإيمان به واجبا لا محالة ، وعند هذا يظهر أن الإيمان ببعض الأنبياء وبعض الكتب مع الكفر ببعض الأنبياء وبعض الكتب محال .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : ما دل عليه قوله : ( مصدقا لما معهم ) وتقريره من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن محمدا صلوات الله وسلامه عليه لم يتعلم علما ولا استفاد من أستاذ ، فلما أتى بالحكايات والقصص موافقة لما في التوراة من غير تفاوت أصلا علمنا أنه عليه الصلاة والسلام إنما استفادها من الوحي والتنزيل .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن القرآن يدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلما أخبر الله تعالى عنه أنه مصدق للتوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته ، وإلا لم يكن القرآن مصدقا للتوراة بل مكذبا لها وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بالتوراة لزمهم من هذه الجهة وجوب الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية