الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1112 198 - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عمته عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم ح، وحدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا يحيى - هو ابن سعيد -، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة توجه بالوجه الذي ذكرناه للحديث السابق.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم تسعة: لأنه رواه من طريقين:

                                                                                                                                                                                  الأول: محمد بن بشار بفتح الباء الموحدة وتشديد الشين المعجمة، وقد تكرر ذكره.

                                                                                                                                                                                  الثاني: غندر بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح الدال وضمها وفي آخره راء، وهو لقب محمد بن جعفر أبي عبد الله الهذلي ، صاحب الكرابيس .

                                                                                                                                                                                  الثالث: شعبة بن الحجاج .

                                                                                                                                                                                  الرابع: محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة - ويقال: ابن أبي زرارة - الأنصاري البخاري ، ويقال: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة . قال كاتب الواقدي : توفي سنة أربع وعشرين ومائة.

                                                                                                                                                                                  الخامس: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة .

                                                                                                                                                                                  السادس: أحمد بن يونس، هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس، أبو عبد الله التميمي اليربوعي .

                                                                                                                                                                                  السابع: زهير بن معاوية الجعفي .

                                                                                                                                                                                  الثامن: يحيى بن سعيد الأنصاري . التاسع: أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في ستة مواضع، وفيه العنعنة في ستة مواضع، وفيه القول في ستة مواضع، وفيه أن محمد بن بشار وغندر بصريان، وشعبة واسطي، ومحمد بن عبد الرحمن ويحيى بن سعيد مدنيان، وأحمد بن يونس وزهير كوفيان، وفيه عن عمته عمرة ، أي عن عمة محمد بن عبد الرحمن ، لكن إذا كان محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن سعد ، وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد ، تكون عمة أبيه لا عمة نفسه، وفيه: وحدثنا أحمد بن يونس ، وفي رواية أبي ذر : قال: وحدثنا أبي. قال البخاري : وحدثنا أحمد ، وفيه أحد الرواة مذكور بلقبه، وراويان مذكوران بلا نسبة، وراو مذكور بنسبة مفسرة.

                                                                                                                                                                                  وفيه في الطريق الثاني: عن محمد بن عبد الرحمن بن يونس ، عن عمرة ; الظاهر أنه محمد بن عبد الرحمن المذكور في الطريق الأول، وذكر أبو مسعود أن محمد بن عبد الرحمن المذكور في إسناد هذا الحديث هو أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان ، ويقال ابن عبد الله بن حارثة الأنصاري البخاري ، لقب بأبي الرجال ; لأن له عشرة أولاد رجال، وجده حارثة بدري، وسبب اشتباه ذلك على أبي مسعود أنه روى عن عمرة ، وعمرة أمه، لكنه لم يرو عنها هذا الحديث، ولأنه روى عنه يحيى بن سعيد وشعبة ، وقد نبه على ذلك الخطيب فقال في حديث محمد بن عبد الرحمن ، عن عمته عمرة ، عن عائشة في الركعتين بعد الفجر، ومن قال في هذا الحديث عن شعبة ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، فقد وهم ; لأن شعبة لم يرو عن أبي الرجال شيئا، وكذلك من قال: عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أمه عمرة ، وذكر الجياني أن محمد بن عبد الرحمن أربعة من تابعي أهل المدينة ، أسماؤهم متقاربة، وطبقتهم واحدة، وحديثهم مخرج في الكتابين:

                                                                                                                                                                                  الأول: محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن جابر وأبي سلمة ، روى عنه يحيى بن أبي كثير .

                                                                                                                                                                                  والثاني: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، أبو الأسود ، يتيم عروة .

                                                                                                                                                                                  والثالث: محمد بن عبد الرحمن ، يعني ابن زرارة .

                                                                                                                                                                                  والرابع: محمد بن عبد الرحمن أبو الرجال ، وفيه رواية التابعي عن التابعية عن الصحابية.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 231 ] (ذكر معناه): قوله: " الركعتين اللتين قبل الصبح " أي قبل صلاة الصبح، وهما سنة صلاة الصبح.

                                                                                                                                                                                  قوله: " إني " بكسر الهمزة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لأقول " اللام فيه للتأكيد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " بأم القرآن " هذا في رواية الحموي ، وفي رواية غيره: " بأم الكتاب "، وفي رواية مالك : " قرأ بأم القرآن أم لا " وأم القرآن الفاتحة ، سميت به لأن أم الشيء أصله، وهي مشتملة على كليات معاني القرآن الثلاث، ما يتعلق بالمبدإ: وهو الثناء على الله تعالى، وبالمعاش: وهو العبادة، وبالمعاد: وهو الجزاء.

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي : ليس معنى قول عائشة : إني لأقول: هل قرأ بأم القرآن أنها شكت في قراءته صلى الله تعالى عليه وسلم الفاتحة، وإنما معناه أنه كان يطيل في النوافل، فلما خفف في قراءة ركعتي الفجر صار كأنه لم يقرأ بالنسبة إلى غيرهما من الصلوات. (قلت): كلمة (هل) حرف موضوع لطلب التصديق الإيجابي دون التصوري ودون التصديق السلبي، فدل هذا على أنها ما شكت في قراءته مطلقا، وتقييدها بالفاتحة من أين وقد مر الكلام فيه مستوفى عن قريب ؟

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): فيه المبالغة في تخفيف ركعتي الصبح ، ولكنها بالنسبة إلى عادته صلى الله عليه وسلم من إطالته صلاة الليل، واختلف العلماء في القراءة في ركعتي الفجر على أربعة مذاهب حكاها الطحاوي ; أحدها: لا قراءة فيهما كما ذكرناه في أول الباب عن جماعة.

                                                                                                                                                                                  الثاني: يخفف القراءة فيهما بأم القرآن خاصة، روي ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو مشهور مذهب مالك .

                                                                                                                                                                                  الثالث: يخفف بقراءة أم القرآن وسورة قصيرة، رواه ابن القاسم عن مالك ، وهو قول الشافعي .

                                                                                                                                                                                  الرابع: لا بأس بتطويل القراءة فيهما، روي ذلك عن إبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وعن أبي حنيفة ربما قرأت فيهما حزبين من القرآن، وهو قول أصحابنا، وقال شيخنا زين الدين : المستحب قراءة سورة الإخلاص في ركعتي الفجر، وممن روي عنه ذلك من الصحابة عبد الله بن مسعود ، ومن التابعين: سعيد بن جبير ، ومحمد بن سيرين ، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي ، وسويد بن غفلة ، وغنيم بن قيس ، ومن الأئمة الشافعي ، فإنه نص عليه في البويطي، وقال مالك : أما أنا فلا أزيد فيهما على أم القرآن في كل ركعة، رواه عنه ابن القاسم ، وروى ابن وهب عنه أنه قال: لا يقرأ فيهما إلا بأم القرآن.

                                                                                                                                                                                  وحكى ابن عبد البر عن الشافعي أنه قال: لا بأس أن يقرأ مع أم القرآن سورة قصيرة. قال: روى ابن القاسم عن مالك أيضا مثله.

                                                                                                                                                                                  ثم إن الحكمة في تخفيفه صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر المبادرة إلى صلاة الصبح في أول الوقت، وبه جزم صاحب المفهم، ويحتمل أن يراد به استفتاح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما كان يستفتح قيام الليل بركعتين خفيفتين ليتأهب ويستعد للتفرغ للفرض أو لقيام الليل الذي هو أفضل الصلوات بعد المكتوبات، كما ثبت في صحيح مسلم ، وخص بعض العلماء استحباب التخفيف في ركعتي الفجر بمن لم يتأخر عليه بعض حزبه الذي اعتاد القيام به في الليل، فإن بقي عليه شيء قرأ في ركعتي الفجر، فروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن البصري قال: لا بأس أن يطيل ركعتي الفجر يقرأ فيهما من حزبه إذا فاته، وعن مجاهد أيضا قال: لا بأس أن يطيل ركعتي الفجر، وقال الثوري : إن فاته شيء من حزبه بالليل فلا بأس أن يقرأ فيهما ويطول، وقال أبو حنيفة : ربما قرأت في ركعتي الفجر حزبي من الليل، وقد ذكرناه عن قريب.

                                                                                                                                                                                  وروى ابن أبي شيبة في مصنفه مرسلا من رواية سعيد بن جبير قال: " كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ربما أطال ركعتي الفجر " ورواه البيهقي أيضا، وفي إسناده رجل من الأنصار لم يسم.

                                                                                                                                                                                  (فائدة) التطويل في الصلاة مرغب فيه لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " أفضل الصلاة طول القنوت " ولقوله صلى الله تعالى عليه وسلم أيضا في الصحيح: " إن طول صلاة الرجل سمة من فقهه " أي علامة، ولقوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الصحيح أيضا: " إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء " إلا أنه قد استثنى من ذلك مواضع استحب الشارع فيها التخفيف ; منها ركعتا الفجر لما ذكرنا، ومنها تحية المسجد إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب ليتفرغ لسماع الخطبة وهذه مختلف فيها، ومنها استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ، وذلك للتعجيل بحل عقد الشيطان ; فإن العقدة الثالثة تنحل بصلاة ركعتين، فلذلك أمر به، وأما فعله صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك فللتشريع ليقتدى به، وإلا فهو معصوم محفوظ من الشيطان، وأما تخفيف الإمام فقد علله صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله: " فإن وراءه السقيم والضعيف وذا الحاجة " والله تعالى أعلم بحقيقة الحال، وإليه المرجع والمآب.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية