الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل: من بيده مائة دينار وعليه دين مثلها وحال عليها الحول

                                                                                                                                                                                        ومن المدونة قال مالك فيمن بيده مائة دينار حال عليها الحول، وعليه دين مثلها، فوهبت له المائة الدين: أنه يستأنف بالمائة التي في يده حولا; لأنها صارت فائدة.

                                                                                                                                                                                        وقال غيره: يزكي ما في يديه، وهو أبين; لأن الدين لم يكن معلقا بها، وإنما الدين في الذمة، فالموهوب ليس فيما في يديه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم يوهب له وأفاد عرضا عند رأس الحول، فعلى قول مالك: يستأنف حولا وكأنه أفاد المائة يوم أفاد العرض، وعلى القول الآخر: يزكي ما في يديه.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا وهب صاحب المال دينه لغير غريمه، فقال أشهب: لا زكاة فيها على الواهب، ولا على الموهوب له. وقال ابن القاسم: الزكاة فيها على الواهب. وقال محمد: لأن قبض الموهوب له كقبضه لها، قال محمد: ولأنها [ ص: 914 ] تؤخذ الزكاة منها.

                                                                                                                                                                                        وقول أشهب أحسن; لأنه وهبها وهي دين، فلم يكن على الواهب فيها زكاة، ولا على الموهوب; لأنها فائدة. وقول ابن القاسم، استحسان، ومراعاة للخلاف، فإن الحوالة ليست بقبض، وأن الهبة إنما تصح بقبض الغريم لها، وكأنها على ملك الواهب حتى تقبض، وأرى أن تزكى على تسليم هذا القول منها إذا كان لا يرى أن الحوالة عليها قبض.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد: إذا أحال بمائة عليه على مائة له على غريم، أن على المحيل زكاتها إذا قبضها المحال بها، وعلى المحال بها زكاتها أيضا.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رضي الله عنه-: يزكي هذه المائة اثنان: المحال عليه إذا كان عنده عرض يوفي بها، والمحال لها; لأنه لا فرق بين أن يقبضها من غريمه أو من المحال بها عليه، وإنما يختلف في المحيل بها، فعلى قول أشهب: لا زكاة عليه، وعلى قول ابن القاسم: يزكيها.

                                                                                                                                                                                        وقال محمد بن سحنون في رجل تصدق على رجل بألف درهم، وعزلها للمتصدق عليه فأقامت سنين، فإن قبله المتصدق عليه، استقبل بها حولا وسقط منها زكاة ما مضى، وإن لم يقبلها رجعت إلى مولاها، وزكاها لما مضى من السنين. [ ص: 915 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية