الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ومن كسر معزفا أو أراق سكرا أو منصفا ضمن ) هذا قول الإمام وقالا لا يضمنها ; لأنها معدة للمعصية فيسقط تقومها كالخمر ولأنه فعله بإذن الشارع لقوله عليه الصلاة والسلام { بعثت لكسر المزامير وقتل الخنازير } ولقوله عليه الصلاة والسلام { إذا رأى أحدكم منكرا فلينكره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } والكسر هو الإنكار باليد ولهذا لو فعله بإذن ولي الأمر وهو الإمام لا يضمن فبإذن الشارع أولى وللإمام أنه كسر ما لا ينتفع به من وجه آخر سوى اللهو فلا تبطل قيمته لأجل اللهو كاستهلاك الأمة المغنية ; لأن الفساد مضاف إلى فعل الفاعل مختار والأمر باليد فيما ذكر هو في حق الإمام وأعوانه لقدرتهم عليه وليس لغيرهم إلا باللسان على أنه يحصل بدون الإتلاف كالأخذ ثم يضمن قيمتها صالحة لغير اللهو كما في الأمة المغنية والكبش النطوح والحمام الطيارة والديك المقاتل والعبد الخصي ويضمن قيمة السكر والمنصف لا المثل ; لأن المسلم ممنوع من تملك عينه .

                                                                                        وإن جاز فعله بخلاف الصليب حيث يضمن قيمته صليبا ; لأنه مال متقوم وقد أمرنا بتركهم وما يدينون قيل الخلاف في الدف والطبل اللذان يضربان للهو أما الدف والطبل اللذان يضربان في العرس والغزو فيضمن اتفاقا ولو شق زقا فيه خمر يضمن عندهما لإمكان الإراقة بدونه وعند أبي يوسف لا يضمن ; لأنه قد لا تتيسر الإراقة إلا به وفي العيون يضمن قيمة الزق وذكر في النهاية أنه لا يضمن الدنان إلا إذا كسر بإذن الإمام والفتوى في زماننا على قولهما لكثرة الفساد وذكر في النهاية عن الصدر الشهيد يهدم البيت على من اعتاد الفسوق وأنواع الفساد وقالوا لا بأس بالهجوم على بيت المفسدين وقيل يراق العصير أيضا قبل أن يتنبذ ويقذف بالزبد على من اعتاد الفسق وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه مر على نائحة في منزلها فضربها بالدرة حتى سقط خمارها قالوا يا أمير المؤمنين قد سقط خمارها فقال لا حرمة لها وتكلموا في معنى قوله لا حرمة لها قيل معناه لما اشتغلت بالمحرم فقد أسقطت حرمة نفسها وروي أن الفقيه أبا الليث البلخي خرج على بعض نهر فكان النساء على شاطئه كاشفات الرءوس والأذرع فقيل كيف تفعل فقال لا حرمة لهن إنما الشك في إيمانهن ثم الأمر بالمعروف فرض إن كان يغلب على ظنه أنه يقبل منه ولا يسعه تركه لو علم أنه يهان ويضرب ولا يصبر على ذلك أو تقع الفتن فتركه أفضل .

                                                                                        ولو علم أنه يصبر على ذلك ولا يصل إلى غيره ضرر فلا بأس ولو علم أنهم يقبلون ذلك منه ولا يخاف منهم ضرر فهو بالخيار والأمر أفضل وفي التتارخانية يضمن قيمته خشبا منحوتا وفي المنتقى يضمن قيمته ألواحا أحرق بابا منحوتا عليه تماثيل منقوشة يضمن قيمته غير منقوش بتماثيل ، فإن كان صاحبه قطع رءوس التماثيل ضمن قيمته منقوشا بمنزلة منقوش شجر أحرق بساطا فيه تماثيل رجال ضمن قيمته مصورا هدم بيتا مصورا بأسباع وتماثيل الرجال والطير ضمن قيمة البيت والأسباع غير مصور ، فإن قلت لماذا ضمن في الباب غير منقوش وفي البساط مصورا قلت : لأن التصوير في البساط بالصوف وهو مال في ذاته بخلاف الخشب قال رحمه الله ( وصح بيع هذه الأشياء ) وهذا قول الإمام وقالا لا يجوز بيع هذه الأشياء ; لأنها ليست بمال متقوم وجواز البيع ووجوب الضمان مبنيان على المالية

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية