الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى [ 43 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ابتداء وخبر في موضع نصب على الحال ، ويقال : " سكارى " ولم ينصرف لأن في آخره ألف التأنيث حتى تعلموا نصب بحتى ولا جنبا عطف على الموضع أي ولا تقربوا الصلاة جنبا إلا عابري سبيل نصب على الحال . قال الأخفش : كما تقول : لا تأتني إلا راكبا . قال أبو جعفر : وقد ذكرنا معنى الآية إلا أنها مشكلة من أحكام القرآن فنزيدها شرحا . قال الضحاك : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى أي من النوم . وهذا القول خطأ من جهات ، منها : أنه لا يعرف في اللغة ، والحديث على غيره ، ولا يجوز أن يتعبد النائم في حال نومه ، [ ص: 458 ] فثبت أن " سكارى " من السكر الذي هو شرب . وقوله : " حتى تعلموا ما تقولون " بدل على أن من كان يعلم ما يقول فليس سكران . " ولا جنبا إلا عابري سبيل " فيه قولان ، أحدهما : أن المعنى : لا تصلوا وقد أجنبتم . ويقال : أجنبتم ، وجنبتم ، وجنبتم . إلا عابري سبيل إلا مسافرين فتتيممون فتصلون ، فيجب على هذا أن يكون الجنب ليس له أن يتيمم إلا أن يكون مسافرا . وهذا قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، وعبد الله بن مسعود - رحمه الله - . والقول الآخر : لا تقربوا الصلاة لا تقربوا موضع الصلاة ، وهو المسجد " إلا عابري سبيل " إلا جائزين ، كما قال عبد الله بن عمر : أيتخطأ الجنب المسجد ؟ فقال : نعم ، ألست تقرأ : إلا عابري سبيل وهذا مذهب علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، وابن عباس ، وأنس بن مالك - رحمهم الله - أن للجنب أن يتيمم في الحضر . وإن كنتم مرضى أو على سفر أي مرضى لا تقدرون معه على تناول الماء ، أو تخافون التلف من برد أو جراح أو على سفر لا تجدون فيه الماء أو جاء أحد منكم من الغائط قد ذكرنا أن بعض الفقهاء قال : " أو " بمعنى الواو ، وإنما احتاج إلى هذا لأن المرض والسفر ليسا بحدثين ، والغائط حدث . والحذاق من أهل العربية لا يجيزون أن يكون " أو " بمعنى الواو ؛ لاختلافهما ، فبعضهم يقول : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ، أو جاء أحد منكم من الغائط ، أو لامستم النساء ، وإن كنتم جنبا فاطهروا أي وإن كنتم جنبا وأردتم الصلاة . والتقديم والتأخير لا ينكر ، كما قال الله - جل وعز - : ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل [ ص: 459 ] مسمى أي ولولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى . وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        فلو أن ما أسعى لأدنى معيشة كفاني ولم أطلب قليل من المال



                                                                                                                                                                                                                                        وقيل : في الكلام حذف بلا تقديم ولا تأخير ، والمعنى : وإن كنتم مرضى أو على سفر وقد قمتم إلى الصلاة محدثين ، فتيمموا صعيدا طيبا ، وكذا : " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " معناه إذا قمتم محدثين . أو لامستم النساء في معناه ثلاثة أقوال ، منها : أن يكون " لمستم " : جامعتم . ومنها : أن يكون " لمستم " باشرتم . ومنها : أن يكون " لمستم " يجمع الأمرين جميعا . و " لامستم " بمعناه عند أكثر الناس ، إلا أنه حكي عن محمد بن يزيد أنه قال : الأولى في اللغة أن يكون " لامستم " بمعنى : قبلتم أو نظيره ؛ لأن كل واحد منهما فعلا ، فقال : و " لمستم " بمعنى غشيتم ومسستم ، وليس للمرأة في هذا فعل . إن الله كان عفوا أي يقبل العفو وهو السهل . غفورا للذنوب . ومعنى غفر الله ذنبه : ستر عنه عقوبته فلم يعاقبه .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية