الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5149 [ 2790 ] وعن أبي زيد ، يعني عمرو بن أخطب قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ، وصعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر ، فنزل فصلى ، ثم صعد المنبر ، فخطبنا حتى حضر العصر ، ثم نزل فصلى ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا .

                                                                                              رواه أحمد (5 \ 341) ، ومسلم (2892) .

                                                                                              [ ص: 220 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 220 ] (4 و 5) ومن باب : إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة

                                                                                              (قول حذيفة - رضي الله عنه - : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ، ما ترك فيه شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به ) هذا المجرور الذي هو (في مقامه) يجوز أن يتعلق بترك ، والأليق أن يكون متعلقا بحدث ; لأن الظاهر من الكلام : أنه أراد أنه ما ترك شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا حدث به في ذلك المقام ، وهذا المقام المذكور في هذا الحديث هو اليوم الذي أخبر عنه أبو زيد عمرو بن أخطب المذكور بعد ، وبالحري يتسع يوم للإخبار عما ذكره . على أنه قد روى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بنهار ، ثم قام خطيبا ، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه . فظاهر هذا أن هذا المقام كان من بعد العصر لا قبل ذلك . ويجوز أن يكون : كانت الخطبة من بعد صلاة الصبح إلى غروب [ ص: 221 ] الشمس ، كما في حديث أبي زيد . واقتصر أبو سعيد في الذكر على ما بعد العصر ، وفيه بعد ، وعلى كل تقدير فعمومات هذه الأحاديث يراد بها الخصوص ; إذ لا يمكن أن يحدث في يوم واحد ، بل ولا في أيام ، ولا في أعوام بجميع ما يحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلا ، وإنما مقصود هذه العمومات الإخبار عن رؤوس الفتن والمحن ورؤسائها ، كما قال حذيفة بعد هذا حين قال : لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعد الفتن : " منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ، ومنهن كرياح الصيف ، منها صغار ومنها كبار " .

                                                                                              قلت : على أني أقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم كأن الله تعالى قد أعلمه بتفاصيل ما يجري بعده لأهل بيته وأصحابه ، وبأعيان المنافقين ، وبتفاصيل ما يقع في أمته من كبار الفتن ، وصغارها ، وأعيان أصحابها وأسمائهم ، وأنه بث الكثير من ذلك عند من يصلح لذلك من أصحابه كحذيفة - رضي الله عنه - قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا ، إلا قد سماه لنا باسمه ، واسم أبيه ، وقبيلته . خرجه أبو داود ، وبهذا يعلم أن أصحابه كان عندهم من علم الكوائن الحادثة إلى يوم القيامة العلم الكثير والحظ الوافر ، لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث الأحكام ، وما كان فيها شيء من ذلك حدثوا به ، ونقضوا عن عهدته . ولحذيفة في هذا الباب زيادة مزية ، وخصوصية لم تكن لغيره منهم ; لأنه كان كثير السؤال عن هذا الباب ، كما دلت عليه أحاديثه ، وكما دل عليه [ ص: 222 ] اختصاص عمر له بالسؤال عن ذلك دون غيره . وأبو زيد المذكور في هذا الباب : هو عمرو بن أخطب - بالخاء المعجمة - الأنصاري ، من بني الحارث بن الخزرج . صحب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : غزوت معه ست غزوات ، أو سبعا . وقد تقدم القول في حديث حذيفة في كتاب الإيمان .




                                                                                              الخدمات العلمية