الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ففيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : وأشربوا في قلوبهم حب العجل ، وفي وجه هذه الاستعارة وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : معناه تداخلهم حبه والحرص على عبادته كما يتداخل الصبغ الثوب ، وقوله : ( في قلوبهم ) بيان لمكان الإشراب كقوله : ( إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : كما أن الشرب مادة لحياة ما تخرجه الأرض فكذا تلك المحبة كانت مادة لجميع ما صدر عنهم من الأفعال .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( وأشربوا ) يدل على أن فاعلا غيرهم فعل بهم ذلك ، ومعلوم أنه لا يقدر عليه سوى الله ، أجابت المعتزلة عنه من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ما أراد الله أن غيرهم فعل بهم ذلك لكنهم لفرط ولوعهم وإلفهم بعبادته أشربوا قلوبهم حبه فذكر ذلك على ما لم يسم فاعله كما يقال : فلان معجب بنفسه .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن المراد من أشرب أي زينه عندهم ودعاهم إليه كالسامري وإبليس وشياطين الإنس والجن .

                                                                                                                                                                                                                                            أجاب الأصحاب عن الوجهين بأن كلا الوجهين صرف للفظ عن ظاهره وذلك لا يجوز المصير إليه إلا لدليل منفصل ، ولما أقمنا الدلائل العقلية القطعية على أن محدث كل الأشياء هو الله لم يكن بنا حاجة إلى ترك هذا الظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( بكفرهم ) فالمراد باعتقادهم التشبيه على الله وتجويزهم العبادة لغيره سبحانه وتعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( قل بئسما يأمركم به إيمانكم ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : المراد بئسما يأمركم به إيمانكم بالتوراة لأنه ليس في التوراة عبادة العجل ، وإضافة الأمر إلى إيمانهم تهكم كما قال في قصة شعيب : ( أصلاتك تأمرك ) [ هود : 87 ] وكذلك إضافة الإيمان إليهم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : الإيمان عرض ولا يصح منه الأمر والنهي لكن الداعي إلى الفعل قد يشبه بالآمر كقوله تعالى : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) [ العنكبوت : 45 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( إن كنتم مؤمنين ) فالمراد التشكيك في إيمانهم والقدح في صحة دعواهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية