الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5160 [ 2802 ] وعن يسير بن جابر قال : هاجت ريح حمراء بالكوفة ، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا : يا عبد الله بن مسعود ، جاءت الساعة ، قال : فقعد وكان متكئا فقال : إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة ، ثم قال بيده هكذا ، ونحاها نحو الشام ، فقال : عدو يجمعون لأهل الإسلام ويجمع لهم أهل الإسلام ، قلت : الروم تعني ؟ قال : نعم ، ويكون عند ذاكم القتال ردة شديدة ، فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء ، كل غير غالب ، وتفنى الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، يحجز بينهم الليل ، فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ، ثم يشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة ، فيقتتلون حتى يمسوا فيفيء هؤلاء وهؤلاء كل غير غالب وتفنى الشرطة ، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام ، فيجعل الله الدبرة عليهم فيقتلون مقتلة - إما قال : لم ير مثلها ، وإما قال : لا يرى مثلها - حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم فما يخلفهم حتى يخر ميتا ، فيتعاد بنو الأب كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد ، فبأي غنيمة يفرح ؟ أو أي ميراث يقاسم ؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا بناس هم أكثر من ذلك ، فجاءهم الصريخ : أن الدجال قد خلفهم في ذراريهم ، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون ، فيبعثون عشرة فوارس طليعة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم ، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ ، أو : من خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ .

                                                                                              رواه أحمد (1 \ 435) ، ومسلم (2899) .

                                                                                              [ ص: 233 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 233 ] و (قوله : هاجت ريح حمراء ) أي : شديدة ، احمرت بها السحاب ويبست لها الشجر ، وانكشفت الأرض ، فظهرت حمرتها .

                                                                                              و (قوله : فجاء رجل ليس له هجيرى إلا يا عبد الله جاءت الساعة ) كذا رويته هجيرا على وزن فعيلا ، وهو تقييد أبي الفتح الشاشي والتميمي ، وقيدها العذري : هجير على وزن خمير .

                                                                                              قلت : وكلاهما لغة صحيحة . قال الجوهري : الهجير مثل الفسيق : الدأب والعادة ، وكذلك الهجيرى والإهجيرى . يقال : ما زال ذلك هجيراه ، وإهجيراه ، وإجرياه ; أي : دأبه وعادته . قال غيره : وهجيرى أفصحها .

                                                                                              والشرطة ، بضم الشين ، وهي هنا : أول طائفة من الجيش تقاتل . ومنه الشرطان لتقدمهما أول الربيع ، وقيل : إنهم سموا بذلك لعلامات تميزوا بها ، والأشراط : العلامات . وهذا هو الأعرف . ويحجز بينهم الليل ، أي : يحول بينهم وبين القتال بسبب ظلمته ، والحاجز : هو الفاصل بين شيئين . ويفيء هؤلاء ; أي : يرجع . ونهد إليهم ; أي : تقدم . ومنه سمي النهد ; لأنه متقدم في الصدر .

                                                                                              [ ص: 234 ] و (قوله : " فيجعل الله الدبرة عليهم ") كذا لكافتهم بالباء بواحدة وسكونها ، ورواه العذري : الدائرة ، ومعناهما متقارب . قال الأزهري : الدائرة : الدولة تدور على الأعداء . والدبرة : النصر والظفر ، يقال : لمن الدبرة ; أي : الدولة . وعلى من الدبرة ؟ أي : الهزيمة . قاله الهروي .

                                                                                              و (قوله : " حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم ، فما يخلفهم ") كذا رواية الجماعة ، وهي جمع جنبة ، وهي الجانب ، ووقع لبعضهم : بجثمانهم ; أي : بأشخاصهم . والجثمان ، والآل ، والطلل ، والشخص ، كلها بمعنى ، فأما الجثة ، فتقال على الجالس والنائم .

                                                                                              و (قوله : إذا سمعوا بناس هم أكثر ") بنون وسين مهملة . كذا للعذري ، وكذا قرأته ، وعند غيره : " ببأس " بباء بواحدة ، و " أكبر " بباء بواحدة أيضا ، وهو الحرب الشديد ، والأمر الهائل . قال بعض المشايخ : وهو الصواب . وتصححه رواية أبي داود : " إذ سمعوا بأمر أكبر من ذلك . . . ويسير بن جابر : يروى [ ص: 235 ] بالياء باثنتين من تحتها وبالهمزة . والصريخ : الصارخ ، أي : الصوت عند الأمر الهائل أو الصراخ ، ويرفضون : يرمون ويتركون ، والطليعة : هو الذي يتطلع الأمر ويستكشفه .

                                                                                              و (قوله : " إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم وألوان خيولهم ") دليل على صحة ما قلناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أعلم بتفاصيل ما يجري بعده ، وأشخاص من يجري منه شيء له تعلق بالأمة .




                                                                                              الخدمات العلمية