الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويشترط اختصاصهما بالربح ) فيمتنع شرط بعضه لثالث ما لم يشرط عليه العمل معه فيكون قراضا بين اثنين ، نعم شرطه لقن أحدهما كشرطه لسيده ( واشتراكهما فيه ) ليأخذ المالك بملكه والعامل بعمله ، فلو شرط اختصاص أحدهما به لم يصح ، والقول بأنه لا حاجة لهذا لأنه يلزم من اختصاصهما به [ ص: 226 ] مردود بمنع اللزوم لاحتمال أن يراد باختصاصهما به أن لا يخرج عنهما ، وإن استأثر به أحدهما فتعين ذكر الاشتراك لزوال ذلك الإبهام ( فلو ) ( قال : قارضتك على أن كل الربح لك ) ( فقراض فاسد ) لمخالفته مقتضى العقد وله أجرة المثل لأنه عمل طامعا ، وسواء في ذلك أكان عالما بالفساد أم لا ، لأنه حينئذ طامع فيما أوجبه له الشرع من الأجرة خلافا لبعض المتأخرين ( وقيل قراض صحيح ) نظرا للمعنى ( وإن قال ) المالك ( كله لي فقراض فاسد ) لما مر ولا أجرة له وإن ظن وجوبها ( وقيل ) هو ( إبضاع ) أي توكيل بلا جعل ، والبضاعة المال المبعوث ، ويجري الخلاف فيما لو قال : أبضعتك على أن نصف الربح لك أو كله لك هل يكون قراضا فاسدا أو إبضاعا ، ولو قال : خذه وتصرف فيه والربح كله لك فقرض صحيح أو كله لي فإبضاع ، وفارقت هذه ما مر قبلها بأن اللفظ فيها صريح في عقد آخر ، ولو اقتصر على قوله : أبضعتك فهو بمثابة تصرف والربح كله لي فيكون إبضاعا كما اقتضاه كلامهم .

                                                                                                                            قال في المطلب : وكلام الفوراني وغيره يدل عليه ، ولو دفع إليه دراهم وقال : اتجر فيها لنفسك كان هبة لا قرضا في أصح الوجهين ، والفرق بينه وبين ما مر في الوكالة من أنه لو قال اشتر لي عبد فلان بكذا ففعل ملكه الآمر [ ص: 227 ] ورجع عليه المأمور ببدل ما دفعه واضح ، ولو قال : خذ المال قراضا بالنصف مثلا صح في أحد وجهين رجحه الإسنوي أخذا من كلام الرافعي ، وعليه لو قال رب المال : إن النصف لي فيكون فاسدا وادعى العامل العكس صدق العامل لأن الظاهر معه ( وكونه معلوما بالجزئية ) كنصف أو ثلث ( فلو ) ( قال ) : قارضتك ( على أن لك ) أو لي ( فيه شركة أو نصيبا ) أو جزءا أو شيئا من الربح ، أو على أن يخصني دابة تشترى من رأس المال ، أو تخصني بركوبها أو بربح أحد الألفين مثلا ولو مخلوطين ، أو على أنك إن ربحت ألفا فلك نصفه أو ألفين فلك ربعه ( فسد ) القراض في جميعها للجهل بقدر الربح في الأربعة الأول وتعيينها في الأخيرة ، ولأن الدابة في صورتها الثانية قد تنقص بالاستعمال ويتعذر عليه التصرف فيها ، ولأنه خصيص العامل في التي تليها وفي صورتها الأولى بربح بعض المال ( أو ) على أن الربح ( بيننا فالأصح الصحة ويكون نصفين ) كما لو قال : هذا بيني وبين فلان لأن المتبادر منه حينئذ المناصفة .

                                                                                                                            والثاني لا يصح لاحتمال اللفظ غير المناصفة فلا يكون الجزء معلوما كما لو قال : بعتك بألف دراهم ودنانير ، ولو قال : قارضتك على أن الربح بيننا أثلاثا لم يصح كما في الأنوار للجهل بمن له الثلث ومن له الثلثان ، أو قارضتك كقراض فلان صح إن علما قدر المشروط وإلا فلا ، أو قارضتك ولك ربع سدس العشر صح وإن لم يعلم قدرها عند العقد لسهولة معرفته كما لو باعه مرابحة وجهلا حسابه حال العقد ( ولو قال : لي النصف ) مثلا وسكت عما للعامل ( فسد في الأصح ) لانصراف الربح للمالك أصالة لأنه نماء ماله دون العامل فصار كله مختصا بالمالك ، والثاني يصح ويكون النصف الآخر للعامل ( وإن قال : لك النصف ) وسكت عن جانبه ( صح عن الصحيح ) لانصراف ما لم يشرط للمالك بحكم الأصل المذكور وإسناد كل ما ذكر للمالك مثال ، فلو صدر من العامل شرط مشتمل على شيء مما ذكر فكذلك كما لا يخفى ، والثاني لا يصح كالتي قبلها ( ولو ) علم لكن لا بالجزئية كأن ( شرط لأحدهما عشرة ) بفتح العين والشين والباقي للآخر أو بينهما كما في المحرر ( أو ربح صنف ) كالرقيق ( فسد ) القراض لانتفاء العلم بالجزئية ، ولأن الربح قد ينحصر فيما قدره أو في ذلك الصنف فيؤدي لاستقلال أحدهما بالربح ، وهو خلاف وضع الباب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 226 ] فرع ] وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا من شرط جزء للمالك وجزء للعامل وجزء للمال أو الدابة التي يدفعها المالك للعامل ليحمل عليها مال القراض مثلا هل هو صحيح أم باطل ؟ والجواب عنه أن الظاهر الصحة ، وكأن المالك شرط لنفسه جزأين وللعامل جزءا وهو صحيح ( قوله : وإن استأثر ) أي استقل ( قوله : وله أجرة المثل ) أي للعامل ( قوله : خلافا لبعض المتأخرين ) أي حج تبعا للشيخ في شرح منهجه ( قوله : والبضاعة ) أي فتفسير الإبضاع بالتوكيل تفسير مراد ، وإلا فمعنى أبضعه دفع له بضاعة : أي مالا مبعوثا ( قوله أو إبضاعا ) يتأمل وجه كونه إبضاعا مع جعل نصف الربح له في الأولى وكله في الثانية مع كون الإبضاع هو التوكيل بلا جعل ، وقياس ما مر أن يقال : ويجري الخلاف فيما لو قال أبضعتك على أن نصف الربح لك هل هو قراض فاسد أو قرض وفيما لو قال : أبضعتك على أن الربح كله لي هل قراض صحيح أو إبضاع ( قوله : فقرض صحيح ) أي فالربح كله للعامل ، وإن تلف في يده كان من ضمانه ، وعليه رد مثل ما قبضه من المالك له ( قوله : فإبضاع ) أي توكيل بلا جعل فيصح تصرف العامل وكل الربح للمالك ( قوله : كان هبة ) أي للدراهم لا قرضا ، انظر ما الفرق بين هذه وبين ما لو قال : خذه وتصرف فيه إلخ ، وقد يقال التنصيص في الأولى على تخصيص العامل بالربح قرينة على عدم الهبة ، بخلافه في الثانية فإن المتبادر من اتجر فيه لنفسك الهبة ، هذا وقد نقل سم في حاشية المنهج عن الشارح أنه اعتمد في تلك [ ص: 227 ] أنه هبة فتكون المسألتان مستويتين ( قوله : واضح ) وهو أن اشتر لي عبد فلان يستدعي لزوم الثمن لذمة الآمر فدفع الوكيل عنه قضاء لدين الغير بإذنه وهو يقتضي الرجوع ، بخلاف اتجر فيها لنفسك فإنه إذن في التصرف في المال للمأمور من غير قرينة تدل على رجوع بدله للآمر ( قوله : صح في أحد وجهين ) أي ويكون الربح مناصفة بينهما

                                                                                                                            ( قوله : شركة أو نصيبا ) ومثل ذلك ما لو قال مشاطرة فلا يصح ( قوله : في الأربعة الأول ) هي قوله شركة أو نصيبا أو جزءا أو شيئا من الربح ( قوله : وتعيينها في الأخيرة ) هي قوله أو على أنك إن ربحت ألفا فلك نصفه إلخ ( قوله وفي صورتها ) أي الدابة ( قوله : صح إن علما ) أي عند العقد ( قوله : وإن لم يعلم قدرها ) أي الحصة ( قوله : فصار كله مختصا ) يحتمل أن تجب الأجرة هنا على التفصيل السابق إذ ليس في الصيغة تصريح بنفيه عن العامل ا هـ سم على حج .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وسواء في ذلك أكان عالما بالفساد ) أي : وإن ظن أن لا أجرة له كما يعلم مما سيأتي في الفصل الآتي ( قوله : والبضاعة المال المبعوث ) في التحفة قبل هذا ما نصه : الإبضاع بعث المال مع من يتجر له به تبرعا ، ثم قال : والبضاعة المال المبعوث ، ولعل ما في التحفة سقط من نسخ الشارح من الكتبة ، وإلا فقوله : والبضاعة إلخ مرتب عليه كما لا يخفى . ( قوله : وفارقت هذه ) يعني خذه وتصرف فيه والربح كله لك ، وقوله : ما مر قبلها : يعني ما في المتن ، وما أعقبه به ، وقوله : بأن اللفظ فيها : يعني فيما قبلها فالضمير في فيها يرجع إلى معنى ما : أي : الصورة المذكورة قبلها كما يعلم من شرح الروض كالروضة وكان الأوضح تذكير ضمير فيها . ( قوله : وبين ما مر في الوكالة ) أي : حيث لم يجعل دفع الثمن هبة ، وكأن الفرق أنه هنا دفع المال له نفسه بصيغة تشعر بالتمليك بخلافه ثم .

                                                                                                                            [ ص: 227 ] قوله : بالنصف مثلا صح ) أي : ويكون المشروط للعامل كما في الأنوار ( قوله : وعليه لو قال رب المال إن النصف لي ) أي : النصف الذي وقع النص عليه . ( قوله : وتعيينها ) يعني الجزئية ( قوله : ; ولأنه خصص العامل في التي تليها وفي صورتها الأولى بربح بعض المال ) أي : حيث خصص نفسه من المال بالدابة أو بربح أحد الألفين ، فيلزم أن لا يكون للعامل إلا ربح ما عدا ذلك .




                                                                                                                            الخدمات العلمية