الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) الثاني من المرجحات : أن يكون أحد الراويين راجحا على الآخر في وصف يغلب على الظن صدقه فيرجح ( بالأزيد ثقة . وبفطنة ، وورع ، وعلم ، وضبط ، ولغة ، ونحو ) فكل وصف من هذه الأوصاف يرجح به على من لم يبلغه ( و ) يرجح أيضا ( بالأشهر بأحد ) الأوصاف ( السبعة ) المذكورة ، وإن لم يعلم رجحانه فيها ، فإن كونه أشهر إنما يكون في الغالب لرجحانه ( و ) يكون الترجيح أيضا ( بالأحسن سياقا ) لأن حسن السياق دليل على رجحانه ( و ) يكون الترجيح أيضا ( باعتماد ) الراوي ( على حفظه ) للحديث ( أو ذكره ) له ; لأن الحفظ ، والذكر لا يحتمل الاشتباه [ ص: 641 ] بخلاف اعتماده على الخط والنسخة ، فإنهما يحتملان الاشتباه ( و ) يرجح أيضا ( بعمله بروايته ) أي بكون الراوي علم أنه عمل برواية نفسه ; لأن من عمل بما رواه يكون أبعد من الكذب من خبر من لم يوافق عمله خبره ، ومتى وجد حديثان مرسلان - وكان الراوي لأحدهما يرسل عن العدل وعن غيره ، والراوي الآخر لا يرسل إلا عن عدل - رجح الذي راويه لا يرسل إلا عن عدل ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو لا يرسل إلا عن عدل ) .

وكذا يرجح المباشر لما رواه من فعل ، وصاحب القصة على غيرهما ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو مباشر أو صاحب القصة ) فمثال المباشر : رواية أبي رافع { تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة ، وهو حلال ، وكنت السفير بينهما } فإنها رجحت على رواية ابن عباس { أنه تزوجها وهو محرم } ومثال رواية صاحب القصة : رواية ميمونة نفسها أنها قالت { تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان } فإن هذه الرواية مقدمة على رواية ابن عباس رضي الله عنهما أيضا .

وترجح الرواية أيضا : بكون الراوي مشافها بالرواية ، وبكونه أقرب عند سماعه ، وإلى ذلك بقوله ( أو مشافها ، أو أقرب عند سماعها ) فمثال المشافهة : رواية القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها - وهي عمته - { أن بريرة عتقت وزوجها عبد } فإنها مقدمة على رواية الأسود عنها { أنه كان حرا } لأنه أجنبي ، ومثال رواية الأقرب عند سماعها : رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما { أنه صلى الله عليه وسلم أفرد التلبية } فإنها مقدمة على رواية من روى { أنه ثنى } لأنه روي { أن ابن عمر كان تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم حين لبى } وترجح رواية أكابر الصحابة - وهم رؤساؤهم - على غيرها على الصحيح من الروايتين ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو من أكابر الصحابة ، فيقدم الخلفاء الأربعة ) أي روايتهم على غيرها ، وذلك لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب منه ; لأن من قرب من إنسان كان أعلم بحاله من البعيد ; ولأن الرئيس من كل طائفة أشد تصونا وصونا لمنصبه من غيره ، وعند ابن الحاجب وابن مفلح والهندي وجمع : تقدم رواية متقدم الإسلام على متأخره ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو متقدم [ ص: 642 ] الإسلام ) وعند القاضي والمجد والطوفي : أنهما سواء ; لأن كل واحد منهما اختص بصفة . فمتقدم الإسلام : اختص بأصالته في الإسلام ، ومتأخره : اختص بأنه لا يروي إلا آخر الأمرين ، فكانا سواء ، وقال ابن عقيل والأكثر : ترجح رواية متأخر الإسلام على متقدمه ; لأنه يحفظ آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لما روى جرير بن عبد الله البجلي { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ، ثم توضأ ومسح على خفيه } قال إبراهيم النخعي " كان يعجبهم هذا الحديث ; لأن إسلام جرير كان بعد نزول سورة المائدة " متفق عليه ، وإنما قدمنا ما عند ابن الحاجب ومن وافقه ، مع كونه خلاف رأي الجمهور : تبعا لتقديمه له في التحرير ، ويقدم عند ابن عقيل وأبي الخطاب : رواية من هو أكثر صحبة على غيره ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو أكثر صحبة ) زاد أبو الخطاب ( أو قدمت هجرته ) وقال الآمدي وابن حمدان ( أو مشهور النسب ) زاد الآمدي ومن تبعه : أو غير ملتبس بضعيف ، ورد ذلك .

ووجه الترجيح بشهرة النسب : لكثرة تحرزه عما ينقص رتبته ، ويقدم من سمع بالغا على من سمع صغيرا ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو سمع بالغا ) وذلك لقوة ضبطه ، وكثرة احتياطه . وللخروج من الخلاف ، فيكون الظن به أقوى ، وقد تقدم أن ترجيح الراوي يكون بما في نفسه ، وتقدم الكلام عليه .

( و ) يكون بتزكيته ، فيرجح بعض الرواة على بعض ( بكثرة مزكين و ) إن استووا في الكثرة رجح ( بأعدليتهم ) ، ( و ) إن استووا في الأعدلية رجح ( بأوثقيتهم . و ) الشيء الثاني في الرواية فيقدم حديث ( مسند على ) حديث ( مرسل ) عند جماهير العلماء ; لأن فيه مزية الإسناد ، فيقدم بها ، ولأن المرسل قد يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مجهول ، ولأنه مختلف في كونه حجة ، والمسند متفق على حجيته ، وكذا كل متفق عليه مع كل مختلف فيه من جنسه .

( و ) يقدم ( مرسل تابعي على ) مرسل ( غيره ) لأن الظاهر أنه رواه عن صحابي ( و ) يرجح أحد المسندين ( بالأعلى إسنادا ) منهما ، والمراد به : قلة عدد الطبقات إلى منتهاه . فيرجح على ما كان أكثر ; لقلة احتمال الخطإ بقلة الوسائط ، ولهذا رغب الحفاظ [ ص: 643 ] في علو السند . فلم يزالوا يتفاخرون به ( و ) يرجح حديث ( معنعن ) أي : متصل بقول الراوي " حدثني فلان عن فلان عن فلان " إلى أن يبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( على ما ) أي : على حديث ( أسند ) بالبناء للمفعول ( إلى كتاب محدث ) من كتب المحدثين ( وكتابه ) أي ويرجح ما بكتاب محدث مسند ( على ) كتاب ( مشهور بلا نكير ) لكنه غير مسند ( و ) يرجح ( الشيخان ) أي : ما اتفق البخاري ومسلم على روايته في كتابيهما ( على ) ما في كتب ( غيرهما ) من المحدثين ; لأنهما أصح الكتب بعد القرآن ، لاتفاق الأمة على تلقيهما بالقبول حتى قال الشيخ تقي الدين وابن الصلاح ، والأستاذ أبو إسحاق : إن ما فيهما مقطوع بصحته ، وخالف النووي ; لقول الأكثر : إن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن ، ولا يلزم من اتفاق الأمة على العمل بهما : إجماعهم على أن ما فيهما مقطوع بصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فالبخاري ، فمسلم ) يعني ثم يرجح ما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم ( فما صحح ) ثم يرجح بعد ذلك ما صحح من الأحاديث على ما لم يصحح ، وتختلف مراتب ذلك . فيرجح ما كان على شرط الشيخين ، ثم ما على شرط البخاري ، ثم ما على شرط مسلم . كما فصل ذلك الحاكم في مستدركه ، ثم بعد ذلك ما صحح وليس على شرط واحد من الشيخين ( فمرفوع ، ومتصل على موقوف ، ومنقطع ) يعني ثم يقدم بعد ذلك الحديث المرفوع ; لمزيته برفعه على الحديث الموقوف ، ويقدم الحديث المتصل لمزيته بالاتصال على الحديث المنقطع ( و ) حديث ( متفق على رفعه ، أو ) على ( وصله : على ) حديث ( مختلف فيه ) أي في رفعه أو في وصله ; لأن للمتفق عليه مزية على المختلف فيه ( و ) تقدم ( رواية متفقة ) أي لم يختلف لفظها ولا معناها ولا مضطربة ( على ) رواية ( مختلفة أو مضطربة ) مطلقا على الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية