الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 234 ] فصل قد نص أحمد على أبلغ من ذلك - وهو وقف ما لا ينتفع به إلا مع إبدال عينه - فقال أبو بكر عبد العزيز في " الشافي " : نقل الميموني عن أحمد : أن الدراهم إذا كانت موقوفة على أهل بيته ففيها الصدقة وإذا كانت على المساكين فليس فيها صدقة . قلت : رجل وقف ألف درهم في السبيل ؟ قال : إن كانت للمساكين فليس فيها شيء . قلت : فإن وقفها في الكراع والسلاح ؟ قال : هذه مسألة لبس واشتباه . قال أبو البركات : وظاهر هذا جواز وقف الأثمان لغرض القرض أو التنمية والتصدق بالربح كما قد حكينا عن مالك والأنصاري . قال : ومذهب مالك صحة وقف الأثمان للقرض . ذكره صاحب " التهذيب " وغيره في الزكاة وأوجبوا فيها الزكاة كقولهم في الماشية الموقوفة على الفقراء .

                وقال محمد بن عبد الله الأنصاري : يجوز وقف الدنانير ; لأنه لا ينتفع بها إلا باستهلاك عينها وتدفع مضاربة ويصرف ربحها في مصرف الوقف ومعلوم أن القرض والقراض يذهب عينه ويقوم بدله مقامه وجعل المبدل به قائما مقامه لمصلحة الوقف وإن لم تكن الحاجة ضرورة الوقف لذلك . وهذه المسألة فيها نزاع في مذهبه فكثير من أصحابه منعوا وقف الدراهم والدنانير ; لما ذكره الخرقي ومن اتبعه ولم يذكروا عن أحمد نصا بذلك ولم ينقله القاضي وغيره إلا عن الخرقي وغيره . [ ص: 235 ] وقد تأول القاضي رواية الميموني فقال : ولا يصح وقف الدراهم والدنانير على ما نقل الخرقي . قال : قال أحمد في رواية : الميموني إذا وقف ألف درهم في سبيل الله وللمساكين فلا زكاة فيها وإن وقفها في الكراع والسلاح فهي مسألة لبس . قال : ولم يرد بهذا وقف الدراهم ; وإنما أراد إذا أوصى بألف تنفق على أفراس في سبيل الله فتوقف في صحة هذه الوصية .

                قال أبو بكر : لأن نفقة الكراع والسلاح على من وقفه فكأنه اشتبه عليه إلى أين تصرف هذه الدراهم إذا كان نفقة الكراع والسلاح على أصحابه . والأول أصح ; لأن المسألة صريحة في أنه وقف الألف لم يوص بها بعد موته ; لأنه لو وصى أن تنفق على خيل وقفها غيره جاز ذلك بلا نزاع ; كما لو وصى بما ينفق على مسجد بناه غيره . وقول القائل : إن نفقة الكراع والسلاح على من وقفه . ليس بمسلم في ظاهر المذهب ; بل إن شرط له الواقف نفقة وإلا كان من بيت المال كسائر ما يوقف للجهات العامة كالمساجد . وإذا تعذر من ينفق عليه بيع ولم يكن على الواقف الإنفاق عليه . وأحمد توقف في وجوب الزكاة ; لا في وقفها ; فإنه إنما سئل عن ذلك ; لأن مذهبه أن الوقف إذا كان على جهة خاصة : كبني فلان وجبت فيه الزكاة عنده في عينه . فلو وقف أربعين شاة على بني فلان وجبت الزكاة في عينها في المنصوص عنه وهو مذهب مالك .

                قال في رواية مهنا فيمن وقف أرضا أو غنما في سبيل الله : لا زكاة عليه ولا عشر : هذا في السبيل ; إنما يكون ذلك إذا جعله في قرابته [ ص: 236 ] ولهذا قال أصحابه : هذا يدل على ملك الموقوف عليه لرقبة الوقف . وجعلوا ذلك إحدى الروايتين عنه . وفي مذهبه قول آخر : أنه لا زكاة في عين الوقف ; لقصور ذلك . واختاره القاضي في " المجرد " وابن عقيل وهو قول أكثر أصحاب الشافعي . وأما ما وقفه على جهة عامة : كالجهاد والفقراء والمساكين فلا زكاة فيه في مذهبه ومذهب الشافعي . وأما مالك فيوجب فيه الزكاة . فتوقف أحمد فيما وقف في الكراع والسلاح ; لأن فيها اشتباها ; لأن الكراع والسلاح قد يعينه لقوم بعينهم : إما لأولاده أو غيرهم ; بخلاف ما هو عام لا يعتقبه التخصيص .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية