الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر أي: يهرم حتى يذهب عقله، وقال علي رضي الله عنه: أرذل العمر : خمس وسبعون سنة، ومعنى (أرذله) : أدناه، وأوضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 41 ] لكي لا يعلم بعد علم شيئا أي: ليرجع إلى حال الطفولية، فيعود بعد العلم جاهلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء : هذا مثل ضربه الله تعالى لمن أشرك به، فأعلم الله تعالى أنهم لا يشركون عبيدهم فيما يملكونه، وهم يشركون عبيد الله تعالى في ملكه وسلطانه، ولا يرضون ذلك لأنفسهم، روي معناه عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، فمعنى فهم فيه سواء : أنهم لا يشركون عبيدهم في أملاكهم حتى يكونوا فيها سواء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد بذلك: ما جعلوه من رزق الله تعالى للأصنام التي جعلوا لها نصيبا، ولله تعالى نصيبا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو مثل للذين قالوا: المسيح ابن الله [التوبة: 30]; والمعنى: أنكم لا تتخذون لأنفسكم من عبيدكم أولادا، فكيف ترضون هذا لله تعالى؟ أفبنعمة الله يجحدون أي: أفبأن أنعم الله عليكم جحدتم نعمته، وجعلتم ما رزقكموه لغيره؟وقيل: المعنى: أفبأن أنعم الله عليكم بالبيان والبرهان جحدتم النعمة؟ [ ص: 42 ] وقوله تعالى: والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا : قال قتادة: يعني: خلقه حواء من ضلع آدم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: جعل لكم أزواجا من جنسكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة : قال ابن مسعود، والنخعي، وغيرهما: (الحفدة) : الأختان.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: (الحفدة) : الأعوان والخدام، وعنه أيضا: ولد امرأة الرجل من غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد، وقتادة: الخدم.

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة: من نفع الرجل من ولده، وأصله من (الحفد) ; وهو الإسراع في العمل.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن جعل (الحفدة) الخدم; جعله منقطعا مما قبله ينوي به التقديم; كأنه قال: جعل لكم حفدة، وجعل لكم من أزواجكم بنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا أي: ما لا يملك لهم من السماوات والأرض قليلا ولا كثيرا; فقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 43 ] {شيئا} : بدل من قوله: {رزقا} ، أو يكون المعنى: ما لا يملك أن يرزقهم شيئا; فينصب {شيئا} بقوله: {رزقا} .

                                                                                                                                                                                                                                      ورزق السماوات: المطر، ورزق الأرض: النبات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فلا تضربوا لله الأمثال : قال قتادة: أي: لا تعبدوا من دونه ما لا يضر، ولا ينفع، ولا يرزق; فالمعنى: لا تمثلوا خلق الله به، فتجعلوا له من العبادة ما لله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: المعنى: لا تمثلوا بخلقه، فتقولوا: إنه يحتاج إلى مشاور; إذ ذاك إنما يكون لما لا يعلم; يدل على هذا قوله: إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال الضحاك: المثل لله تعالى ولما عبد دونه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس، وقتادة: المثل للمؤمن والكافر; أي: أن المؤمن ينفق مما رزقه الله تعالى في طاعته، والكافر لا يقدم مما رزقه الله تعالى خيرا; فقوله على هذا: هل يستوون ; يعني: إذا لم يستو هذان; فكيف يستوي الله تعالى ومن [ ص: 44 ] سويتموه به من الأصنام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المثل لأبي بكر رضي الله عنه، وأبي جهل لعنه الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس أيضا: أن المثل لهشام بن عمرو; وهو الذي كان ينفق، وأبي الحوانة مولاه; وهو الذي كان ينهاه عن الإنفاق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم الآية:

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: (الأبكم) الموصوف في الآية: أسيد بن أبي العاصي، و (الذي يأمر بالعدل) : عثمان بن عفان رضي الله عنه، [وعنه أيضا: أنه مثل لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومولى له كافر].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الأبكم) : أبي بن خلف; لأنه كان لا ينطق بخير، وهو على قومه كل، كان يؤذيهم، ويؤذي عثمان بن مظعون، و (الذي يأمر بالعدل) : قيل: إنه حمزة بن عبد المطلب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 45 ] وقيل: هو مثل لله تعالى ولما عبد من دونه.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل (الكل) : الثقل، ومن جعل (الأبكم) مثلا للصنم; فالمعنى: أنه كل على عابده; يخدمه، ويحمله، ويضعه.

                                                                                                                                                                                                                                      أينما يوجهه لا يأت بخير : إذا [جعل وصفا للأبكم; كان المعنى: أينما يرسله لا يأت بنجح وكفاية مهم; لأنه عاجز، لا يفهم ما يقال له، ولا يفهم عنه]، أو جعل وصفا للصنم; كان المعنى: أنه لا يفهم، ولا يضر، ولا ينفع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وما أمر الساعة إلا كلمح البصر : [قال قتادة: هو أن يقول له: كن، فيكون، فهو كلمح البصر، أو هو أقرب].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو وصف للقدرة على الإتيان بها، وإنما مثل بـ(لمح البصر) ; لأنه يلمح السماء مع ما هي عليه من البعد من الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو تمثيل للقرب; كقول القائل: (ما السنة إلا لحظة) ، وشبهه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: هو عند الله كذلك، لا عند المخلوقين; يقوي ذلك قوله تعالى: إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا [المعارج: 6- 7].

                                                                                                                                                                                                                                      و {أو} في قوله: أو هو أقرب : يجوز أن تكون لشك المخاطب، أو بمعنى: [ ص: 46 ] (بل) ، أو للتخيير; كأنه قال: مثلوها بلمح البصر، أو بما هو أقرب منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة : ذكر هذا بعد ذكر الإخراج من البطون وهو قبله; لأن الواو لا توجب الترتيب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله : قال قتادة: أي: في كبد السماء، و (الجو) في اللغة: الهواء البعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: والله جعل لكم من بيوتكم سكنا أي: موضعا تسكنون فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يعني: الأخبية.

                                                                                                                                                                                                                                      يوم ظعنكم يعني: في أسفاركم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويوم إقامتكم أي: في مقامكم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها : (الأصواف) : للغنم، و (الأوبار) : للإبل، و (الأشعار) : للمعز.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الأثاث) : المال، [وقال الضحاك: المال] والزينة، وأصله: متاع البيت; كالفرش، والأكسية، وشبهها.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو زيد: واحد (الأثاث) : (أثاثة) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلى حين أي: إلى أجل وبلغة، عن قتادة، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية