الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( وقد دخل في هذه الجملة ما وصف الله به نفسه في سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن ، حيث يقول : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .

      التالي السابق


      ش قوله : ( وقد دخل . . إلخ ) شروع في إيراد النصوص من الكتاب والسنة المتضمنة لما يجب الإيمان به من الأسماء والصفات في النفي والإثبات .

      وابتدأ بتلك السورة العظيمة ؛ لأنها اشتملت من ذلك على ما لم يشتمل عليه غيرها ، ولهذا سميت سورة الإخلاص ؛ لتجريدها التوحيد من شوائب الشرك والوثنية .

      روى الإمام أحمد في ( مسنده ) عن أبي بن كعب رضي الله عنه في سبب نزولها : أن المشركين قالوا : يا محمد ، انسب لنا ربك . فأنزل الله تبارك وتعالى : قل هو الله أحد الله الصمد إلخ السورة .

      [ ص: 113 ] وقد ثبت في الصحيح أنها تعدل ثلث القرآن .

      وقد اختلف العلماء في تأويل ذلك على أقوال ، أقربها ما نقله شيخ الإسلام عن أبي العباس ، وحاصله أن القرآن الكريم اشتمل على ثلاثة مقاصد أساسية : أولها : الأوامر والنواهي المتضمنة للأحكام والشرائع العملية التي هي موضوع علم الفقه والأخلاق .

      ثانيها : القصص والأخبار المتضمنة لأحوال الرسل عليهم الصلاة والسلام مع أممهم ، وأنواع الهلاك التي حاقت بالمكذبين لهم ، وأحوال الوعد والوعيد ، وتفاصيل الثواب والعقاب .

      ثالثها : علم التوحيد ، وما يجب على العباد من معرفة الله بأسمائه وصفاته ، وهذا هو أشرف الثلاثة .

      ولما كانت سورة الإخلاص قد تضمنت أصول هذا العلم ، واشتملت عليه إجمالا ؛ صح أن يقال : إنها تعدل ثلث القرآن .

      [ ص: 114 ] وأما كيف اشتملت هذه السورة على علوم التوحيد كلها ، وتضمنت الأصول التي هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي ؟ فنقول :

      إن قوله تعالى : الله أحد دلت على نفي الشريك من كل وجه : في الذات ، وفي الصفات ، وفي الأفعال ؛ كما دلت على تفرده سبحانه بالعظمة والكمال والمجد والجلال والكبرياء ، ولهذا لا يطلق لفظ ( أحد ) في الإثبات إلا على الله عز وجل ، وهو أبلغ من واحد .

      وقوله : الله الصمد قد فسرها ابن عباس رضي الله عنه بقوله : ( السيد الذي كمل في سؤدده ، والشريف الذي كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والغني الذي قد كمل في غناه ، والجبار الذي قد كمل في جبروته ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته ، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله عز وجل ، هذه صفته ، لا تنبغي إلا له ، ليس له كفء ، وليس كمثله شيء ) .

      [ ص: 115 ] وقد فسر الصمد أيضا بأنه الذي لا جوف له ، وبأنه الذي تصمد إليه الخليقة كلها وتقصده في جميع حاجاتها ومهماتها .

      فإثبات الأحدية لله تضمن نفي المشاركة والمماثلة .

      وإثبات الصمدية بكل معانيها المتقدمة تتضمن إثبات جميع تفاصيل الأسماء الحسنى والصفات العلى ، وهذا هو توحيد الإثبات .

      وأما النوع الثاني وهو توحيد التنزيه ؛ فيؤخذ من قوله تعالى : لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد كما يؤخذ إجمالا من قوله : الله أحد ؛ أي : لم يتفرع عنه شيء ، ولم يتفرع هو عن شيء ، وليس له مكافئ ولا مماثل ولا نظير .

      فانظر كيف تضمنت هذه السورة توحيد الاعتقاد والمعرفة ، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق المشاركة ، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال الذي لا يلحقه نقص بوجه من الوجوه ، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم غناه وصمديته وأحديته ، ثم نفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والنظير ؟ فحق لسورة تضمنت هذه المعارف كلها أن تعدل ثلث القرآن .




      الخدمات العلمية