الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5670 ) مسألة ; قال : ( فإن لم يحب أن يطعم ، دعا وانصرف ) . وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة ; لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه ، أما الأكل فغير واجب ، صائما كان أو مفطرا . نص عليه أحمد ، لكن إن كان المدعو صائما صوما واجبا أجاب ، ولم يفطر ; لأن الفطر غير جائز ; فإن الصوم واجب ، والأكل غير واجب ، وقد روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائما فليدع - وإن كان مفطرا فليطعم } . رواه أبو داود ، وفي رواية " فليصل " . يعني : يدعو . ودعي ابن عمر إلى وليمة ، فحضر ومد يده وقال : بسم الله ، ثم قبض يده ، وقال : كلوا ، فإني صائم .

                                                                                                                                            وإن كان صوما تطوعا ، استحب له الأكل ; لأن له الخروج من الصوم ، فإذا كان في الأكل إجابة أخيه المسلم ، وإدخال السرور على قلبه ، كان أولى . وقد روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ، ومعه جماعة ، فاعتزل رجل من القوم ناحية ، فقال : إني صائم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعاكم أخوكم ، وتكلف لكم ، كل ، ثم صم يوما مكانه إن شئت ، } وإن أحب إتمام الصيام جاز ; لما روينا من الخبر المتقدم ، ولكن يدعو لهم ، ويترك ، ويخبرهم بصيامه ; ليعلموا عذره ، فتزول عنه التهمة في ترك الأكل .

                                                                                                                                            وقد روى أبو حفص ، بإسناده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم ، فقال : إني صائم ، ولكني أحببت أن أجيب الداعي ، فأدعو بالبركة . وعن عبد الله قال : إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم ، فليقل : إني صائم . وإن كان مفطرا ، فالأولى له الأكل ; لأنه أبلغ في إكرام الداعي ، وجبر قلبه . ولا يجب عليه ذلك . وقال أصحاب الشافعي : فيه وجه آخر ، أنه يلزمه الأكل ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { وإن كان مفطرا فليطعم } .

                                                                                                                                            ولأن المقصود منه الأكل ، فكان واجبا . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن شاء أكل ، وإن شاء ترك } . حديث صحيح . ولأنه لو وجب الأكل ، لوجب على المتطوع بالصوم ، فلما لم يلزمه الأكل ، لم يلزمه إذا كان مفطرا . وقولهم : المقصود الأكل . قلنا : بل المقصود الإجابة ، ولذلك وجبت على الصائم الذي لا يأكل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية