الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فرع ) ، قال ابن وهب عن مالك في المجموعة : التثويب بين الأذان والإقامة في الفجر في رمضان وغيره محدث ، وكرهه انتهى ، وقال في الطراز : التثويب بين الأذان والإقامة ليس بمشروع ولا يعرف إلا الأذان ، والإقامة فقط فأما دعاء في آخر الأذان غيرهما فلا ، واستحب أبو حنيفة أن يثوب في الصبح بين الأذان والإقامة ، وروى عنه أبو شجاع أنه قال : التثويب الأول في نفس الأذان يريد به " الصلاة خير من النوم " قال : والثاني بين الأذان والإقامة ، وروى من احتج له في ذلك { أن بلالا كان إذا أذن أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : حي على الصلاة حي على الفلاح يرحمك الله } ، وأنكر ذلك أصحاب الشافعي ، ورووا أن عمر لما قدم مكة جاء أبو محذورة وقد أذن ، فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح ، فقال له عمر : ويحك أمجنون أنت ؟ ، ما كان في دعائك الذي دعوت ، ما نأتيك حتى تأتينا ولو كان سنة لم ينكره إمامنا مالك فقد أنكر ذلك ، وقال في العتبية ليس التثويب بصواب ، وروى عنه ابن وهب وابن حبيب : أن التثويب بعد الأذان في الفجر في رمضان وفي غيره مكروه ، حتى روي عنه على ما في العتبية أنه قال : وتنحنح المؤذن في السحر في رمضان محدث وكرهه يريد أنهم كانوا يتنحنحون ليعلموا الناس بالفجر فيركعون فكره ذلك ورآه مما ابتدع ، قال : ولم يبلغني أن السلام على الإمام كان في الزمن الأول ، وذكر ابن المنذر عن الأوزاعي أنه حدث في عهد معاوية فكان المؤذن إذا أذن على الصومعة دار إلى الأمير ، واختصه بأذان ثان من حي على الصلاة إلى حي على الفلاح ، ثم يقول : الصلاة الصلاة يرحمك الله .

                                                                                                                            وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز ولابن الماجشون في المبسوط جوازه وذكر في صفة التسليم أن يقول : " السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله " . قال وأما في الجمعة فيقول : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته قد حانت الصلاة ، وعادة أهل المدينة تمنع من ارتكاب شيء من هذه المحدثات ، وقال بعض المتأخرين من أصحابنا في قول مالك : التثويب ضلال أنه أراد حي على خير العمل وليس كما قال ، وإنما التثويب عند أهل العلم من أهل المذهب اسم لما ذكرناه ، وهو مأخوذ من ثاب إليه جسمه إذا رجع بعد المرض ، ومنه : { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا } أي مرجعا يرجعون إليه في كل سنة وأصله من الإعلام يقال : ثوب إذا لوح بثوبه ، قاله الخطابي انتهى . أكثره باللفظ ، وقال في الزاهي : ويدعو المؤذن سلطانه بأن يقول : السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يرحمك الله ، ويدور في الأذان ، والتثويب من الضلال انتهى . وهو نحو ما حكاه صاحب الطراز عن المبسوط ، ونقله القرافي بلفظ التثويب بين الأذان والإقامة ، قال صاحب الطراز : هو عندنا غير مشروع وكلامه في العتبية هو في رسم صلاة الاستسقاء من سماع أشهب من كتاب الصلاة ، ولفظه : " وسئل عن التثويب في [ ص: 432 ] رمضان وغيره ، فقال : ليس ذلك بصواب وقد كان بعض أمراء المدينة أراد أن يصنع ذلك حتى نهي عنه فتركه ، وفسره ابن رشد بأن المراد به ما يقوله المؤذن بين الأذان والإقامة وروى مجاهد : أنه دخل مع ابن عمر مسجدا وقد أذن ونحن نريد أن نصلي فثوب المؤذن فخرج عبد الله من المسجد ، وقال : اخرج بنا عن هذا المبتدع ولم يصل فيه ثم ذكر أنه قيل : إن التثويب هو قول المؤذن : حي على خير العمل ; لأنها كلمة زادها من خالف السنة من الشيعة ، ورجح التفسير الأول بأن التثويب في اللغة الرجوع إلى الشيء يقال : ثاب إلى عقله أي رجع ، وثوب الراعي أي : كرر النداء ، ومنه قيل : للإقامة تثويب ; لأنها بعد الأذان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها ، وأنتم تسعون } وقد يقع التثويب على قول المؤذن في أذان الصبح " الصلاة خير من النوم " وقد روي عن بلال قال : { قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثويب في شيء من الصلاة إلا صلاة الفجر } .

                                                                                                                            وليس هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم ; لأنه من سنة الأذان وبالله التوفيق انتهى " . وقال في التنبيهات : التثويب الرجوع فمن جعله قوله " الصلاة خير من النوم " فكأنه لما حث على الصلاة بقوله : حي على الصلاة ثم قال : حي على الفلاح عاد إلى الحث على الصلاة بقوله : " الصلاة خير من النوم " وقال بعضهم : التثويب هو المشعر بحضور الصلاة بعد الأذان انتهى . بالمعنى ، وقيل : إنما قيل لقول المؤذن : الصلاة خير من النوم تثويب ; لأنه تكرير لمعنى الحيعلتين ، وقيل : لتكريرها مرتين ، وقد ذكر البرزلي في أواخر مسائل الصلاة مسألة التثويب وأن التحضير المستعمل عندهم منه أعني قولهم : الصلاة حضرت ، وكذلك التأهيب للجمعة أعني قولهم : تأهبوا للصلاة ، وأنكر على من قال إن ذلك حرام ، وقال لم يقل بالتحريم أحد من علماء الأمة بل الناس فيه على مذهبين فمنهم من كرهه ، ومنهم من استحسنه وفي كلامه ميل إلى استحسان ذلك ، وكذلك التصبيح يعني قولهم : أصبح ولله الحمد ، وذكر كلام ابن سهل في قيام المؤذن بالدعاء والذكر في آخر الليل ، وأنه حسن وذكر أيضا ما يفعل عندهم من البوق والنفير في المنار في التسحير في رمضان ، ومال إلى جواز ذلك وذكر أن بعض القرويين أنكر ذلك ، وقال : إنه معصية في أفضل الشهور ، وأفضل الأماكن وأن قاضي القيروان كتب بذلك إلى ابن عبد السلام فأجابه : إن عاد إلى مثل هذا فأدبه ، وقال إنه تكلم مع شيخه ابن عرفة في ذلك ، وقال له : الصواب ما قاله الرجل إذ لم يجز البوق في الأعراس إلا ابن كنانة فأجابه بأن قال : تلك البوقات المنكرة إلا في الأعراس لها لذة في النغمات ، وسماع الأصوات كما يقال في الأندلس وأما هذه فأصوات مفزعة تفزع حتى الحمار .

                                                                                                                            وحاصل كلامه أن جميع ذلك أمور محدثة منها ما هو حسن كالذكر والدعاء في آخر الليل في المنار والتثويب ، والتأهيب ، والتصبيح ، ومنها ما هو جائز : كالأبواق والنفير ، وأنه ليس شيء منها حراما ، وأن غاية ما يقول المخالف فيها بالكراهة ، وقد تقدم في كلام الشيخ أبي عبد الله بن الحاج إنكار ذلك ، وإنكار الأبواق والظاهر من كلام مالك كراهة ذلك كله .

                                                                                                                            ( قلت ) ومن هذا الباب ما يفعلونه بمكة قبل الأذان الثاني للصبح على سطح زمزم من قول المؤذن : الصلاة رحمكم الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم إعلاما بطلوع الفجر ، ثم يقول المؤذن قبل الأذان الثاني على حزورة { إن الله فالق الحب والنوى } الآيات الثلاث ، ثم يقول : { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك } إلى آخر السورة فمن أجاز ما تقدم يجيز هذا ، ومن كرهه يكرهه ، وقد قال في المدخل : إن الإمام ينهى المؤذنين عما أحدثوه من قراءة { إن الله فالق الحب والنوى } وقوله تعالى : { قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } عند إرادتهم الأذان للفجر ، وإن كانت قراءة القرآن كلها بركة ، وخيرا لكن ليس لنا أن نضع العبادة [ ص: 433 ] إلا حيث وضعها صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه انتهى .

                                                                                                                            وعن أبي الضياء : من المنكرات التي بالمسجد الحرام الأذان الثاني على حزورة لسائر الصلوات وذكر أن من مفاسده أن بعض الناس لا يتهيأ للصلاة إلا إذا سمعه ، وقد يدخل الإمام للصلاة قبله أو يدخل عقبيه بسرعة فتفوت الشخص الصلاة .

                                                                                                                            ( قلت ) وفي جعله منكرا نظر ; لأن تعدد المؤذنين وترتيبهم مطلوب في غير المغرب كما سيأتي ، وأما ما ذكره من المفسدة فذلك لعدم ضبط المؤذن والإمام والله أعلم . نعم من المنكرات أذانهم على حزورة يوم الجمعة عند دخول الإمام إلى المسجد الحرام ، فإنه بدعة لا أصل لها كما يأتي بيانه في باب الجمعة ، والحزورة بالحاء المهملة على وزن قسورة هذا هو الصواب وبعض الناس يشدد الواو ، ويفتح الزاي ، والعامة يقولون : عزورة ، وهو غلط كان سوق مكة في الجاهلية وقد أدخل في المسجد الحرام

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية