الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولا يقرأ المؤتم بل يستمع وينصت ، وإن قرأ آية الترغيب أو الترهيب أو خطب أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم والنائي كالقريب ) للحديث المروي من طرق عديدة { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } فكان مخصصا لعموم قوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر } بناء على أنه خص منه المدرك في الركوع إجماعا فجاز تخصيصه بعده بخبر الواحد ولعموم الحديث { لا صلاة إلا بقراءة } فإن قلت : حيث جاز تخصيصه بعده بخبر الواحد فينبغي تخصيص عمومها بالفاتحة عملا بخبر الفاتحة قلت : التخصيص الأول إنما هو في المأمورين ولم يقع تخصيص لعموم المقروء فلم يجز تخصيصه بالظني ، أطلقه فشمل الصلاة الجهرية والسرية ، وفي الهداية ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد ويكره عندهما لما فيه من الوعيد وتعقبه في غاية البيان بأن محمدا صرح في كتبه بعدم القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه وفيما لا يجهر فيه قال وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة ويجاب عنه بأن صاحب الهداية لم يجزم بأنه قول محمد بل ظاهره أنها رواية ضعيفة ، وفي فتح القدير والحق أن قول محمد كقولهما ، والمراد من الكراهة كراهة التحريم ، وفي بعض العبارات أنها لا تحل خلفه ، وإنما لم يطلقوا اسم الحرمة عليها لما عرف من أن أصلهم أنهم لا يطلقونها إلا إذا كان الدليل قطعيا ودعوى الاحتياط في القراءة خلفه ممنوعة بل الاحتياط تركها ; لأنه العمل بأقوى الدليلين ، وقد روي عن عدة من الصحابة فساد الصلاة [ ص: 364 ] بالقراءة خلفه ، فأقواهما المنع ، وأشار بقوله بل يستمع وينصت إلى آخره إلى أن الآية نزلت في الصلاة وهي قوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } وهو قول أكثر أهل التفسير ، ومنهم من قال نزلت في الخطبة قال في الكافي ولا تنافي بينهما فإنما أمروا بهما فيها لما فيها من قراءة القرآن ، وحاصل الآية : أن المطلوب بها أمران : الاستماع والسكوت فيعمل بكل منهما والأول يخص الجهرية والثاني لا فيجري على إطلاقه فيجب السكوت عند القراءة مطلقا ، ولما كان العبرة إنما هو لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وجب الاستماع لقراءة القرآن خارج الصلاة أيضا ، ولهذا قال في الخلاصة رجل يكتب الفقه وبجنبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكنه استماع القرآن فالإثم على القارئ وعلى هذا لو قرأ على السطح في الليل جهرا والناس نيام يأثم ، وفي القنية وغيرها : الصبي إذا كان يقرأ القرآن وأهله يشتغلون بالأعمال ولا يستمعون إن كان شرعوا في العمل قبل قراءته لا يأثمون وإلا أثموا

                                                                                        وقوله " وإن " للوصل ، وآية الترغيب هي ما كان فيها ذكر الجنة أو الرحمة ، وآية الترهيب ما كان فيها ذكر النار ، والترهيب التخويف ، وفي عبارته رعاية الأدب حيث قال يستمع وينصت ولم يقل لا يسأل الجنة ولا يتعوذ النار ، وإنما لم يسأل ويتعوذ لما فيه من الإخلال بفرض الاستماع ولأن الله تعالى وعده بالرحمة إذا استمع وأنصت ووعده حتم وإجابة الدعاء غير مجزوم به خصوصا المتشاغل عن سماع القرآن بالدعاء والضمير في قوله قرأ راجع إلى الإمام ، وكذا في خطب وصلى وحينئذ فلفظ المؤتم حقيقة بالنسبة إلى قوله وإن قرأ آية الترغيب والترهيب ، مجاز باعتبار ما يئول بالنسبة إلى الخطبة والصلاة ويجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز بلفظ واحد عند كثير من العلماء وبهذا اندفع ما ذكره الشارح من الخلل في عبارة المختصر واستثنى المصنف في الكافي من قوله صلى ما إذا ذكر الخطيب آية { إن الله وملائكته } فإن السامع يصلي في نفسه سرا ائتمارا للأمر وجعل البعيد كالقريب للخطيب في أنه يسكت هو الاحتياط كما في الهداية والله سبحانه وتعالى أعلم

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف ، وإن قرأ آية الترغيب أو الترهيب ) أي يستمع المؤتم ، وإن قرأ الإمام ما ذكر قال في النهر ، وكذا الإمام لا يشتغل بغير قراءة القرآن سواء أم في الفرض أو النفل أما المنفرد ففي الفرض كذلك ، وفي النفل يسأل الجنة ويتعوذ من النار عند ذكرهما ويتفكر في آية المثل ، وقد ذكروا فيه حديث { حذيفة رضي الله عنه وإنه صلى معه عليه الصلاة والسلام فما مر بآية فيها ذكر الجنة إلا سأل فيها وما مر بآية فيها ذكر النار إلا تعوذ فيها } وهذا يقتضي أن الإمام يفعل في النافلة ، وهم صرحوا بالمنع إلا أنهم عللوا بالتطويل على المقتدي وعلى هذا لو أم من يطلب منه ذلك فعله يعني في التراويح والكسوف وإلا فالتجمع في النافلة مكروه وفي غيرهما ( قوله ولم يقع تخصيص لعموم المقروء إلخ ) حاصله أن في الآية صيغتي عموم علامة الجمع وما ، والتخصيص حصل للأولى فيلحقها التخصيص ثانيا بخلاف الثانية ( قوله عند كثير من العلماء ) أي فيكون مبنيا على ما قالوه ، وإن كان مخالفا لمذهبه من عدم جواز الجمع رعاية للاختصار والأصوب أن يقال إنه جار على مذهبنا أيضا بناء على ما اختاره صاحب [ ص: 364 ] الهداية وغيره من جواز الجمع بينهما في سياق النفي وما هنا كذلك ويمكن أن يكون ذلك مراد صاحب البحر .

                                                                                        ( قوله وبهذا اندفع ما ذكره الشارح إلخ ) وذلك حيث قال وقوله في المختصر أو خطب إلخ ظاهره معطوف على قرأ من قوله : وإن قرأ آية الترغيب والترهيب فلا يستقيم في المعنى لأنه يقتضي أن يكون الإنصات واجبا قبل الخطبة فيصير معنى الكلام : يجب عليه الإنصات فيها ، وإن قرأ آية الترغيب أو الترهيب أو خطب وأيضا يقتضي أن تكون الخطبة والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام واقعين في نفس الصلاة وليس المراد ذلك وإنما المراد أن ينصتوا إذا خطب ، وإن صلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ا هـ .

                                                                                        قال في النهر وأجاب العيني بأن فاعل قرأ هو الإمام وخطب هو الخطيب ، وهو في حالة الخطبة غير الإمام فيكون من عطف الجمل ولا يلزم ما ذكر ، وأجاب منلا خسرو بأن المؤتم بمعنى من شأنه أن يأتم وقوله أو خطب عطف على قرأ المحذوف والمعنى لا يقرأ المؤتم إذا قرأ إمامه بل يستمع وينصت ، وإن قرأ آية ترغيب أو ترهيب ، ولا يقرأ المؤتم إذا خطب إمامه أو صلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بل يستمع وينصت ، وإن قرأ آية ترغيب أو ترهيب وأنت خبير بأن ما قاله العيني إنما يتم على التجوز في المؤتم ويلزم على ما قاله خسرو التجوز في الإمام أيضا وتقييد منع المؤتم عن القراءة بما إذا خطب مع أنه ممنوع بمجرد خروجه للخطبة ا هـ كلام النهر .

                                                                                        وأجاب ابن كمال باشا عن اعتراض الزيلعي بأنه لما كانت الخطبة قائمة مقام ركعتي الظهر نزل من حضرها منزلة المؤتم فلا دلالة في أو صلى على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على أن تكون الخطبة والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واقعتين في نفس الصلاة ولا اتجاه لما قيل إنه يقتضي أن يكون الإنصات واجبا قبل الخطبة لانعدام التنزيل المذكور فتدبر ا هـ .

                                                                                        ( قوله واستثنى المصنف في الكافي إلخ ) قال في النهر إلا أن إطلاقه يقتضي عدمه قال في الفتح ، وهو الأشبه ورد كلامه أنه لو كتب حالة الخطبة كره أيضا ، وهو الأصح كما في السراج .

                                                                                        والحاصل أنه لا يأتي بما يفوت به الاستماع فلا يشمت عاطسا ولا يرد سلاما




                                                                                        الخدمات العلمية