الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( تنبيه ) حيث استطرد الكلام إلى ذكر ما أحدثه المؤذنون فلنختم ذلك بفروع ثلاثة لا بأس بالتنبيه عليها .

                                                                                                                            ( أحدها ) الأذان خلف المسافر ، قال في المدخل في الفصل الذي تكلم فيه على تسمين النساء : ومما أحدثوه من البدع ما يفعله بعضهم من أنهم يتركون تنظيف البيت وكنسه عقب سفر من سافر من أهله ، ويتشاءمون بفعل ذلك بعد خروجه ، ويقولون إن ذلك فعل لا يرجع المسافر ، وكذلك ما يفعلونه حين خروجهم معه إلى توديعه فيؤذنون مرتين أو ثلاثا ، ويزعمون أن ذلك يرده إليهم ، وهذا كله مخالف للسنة المطهرة ، ومن العوائد التي أحدثت بعدها فإن قيل : قد توجد هذه الأشياء كما يذكر الناس ، فالجواب أن ذلك إنما وقع لأجل شؤم مخالفة السنة والتدين بالبدعة فعوملوا بالضرر الذي يتوقعونه وقد شاء الحكيم سبحانه وتعالى أن المكروهات لا تندفع إلا بالامتثال انتهى . وقال الناشري من الشافعية في الإيضاح يستحب الأذان لمزدحم الجن ، وفي أذن الحزين والصبي عندما يولد في اليمين ، ويقيم في اليسرى ، والأذان خلف المسافر والإقامة ، وفي فتاوى الأصبحي ، هل ورد في الأذان والإقامة عند إدخال الميت القبر خبر ؟ فالجواب : لا أعلم فيه ورود خبر ولا أثر إلا ما يحكى عن بعض المتأخرين ، ولعله مقيس على استحباب الأذان والإقامة في أذن المولود فإن الولادة أول الخروج إلى الدنيا وهذا أول الخروج منها وهذا فيه ضعف فإن مثل هذا لا يثبت إلا توقيفا انتهى .

                                                                                                                            وانظر قوله : " لمزدحم الجن " ولعله يشير إلى حديث { إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان } كما سيأتي وأما قوله : " في أذن الحزين " فيشير إلى ما أخرجه الديلمي { عن علي كرم الله وجهه قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم حزينا ، فقال يا ابن أبي طالب أراك حزينا فمر بعض أهلك يؤذن في أذنك فإنه دواء للهم ، فجربته فوجدته كذلك } ، وقال كل من روى من رواية الديلمي : إنه جربه فوجده كذلك ، وروى الديلمي أيضا عنه ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمن ساء خلقه من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنه } انتهى . وذكر الشيخ أبو الليث السمرقندي صاحب تنبيه الغافلين : أن الأذان عند ركوب البحر من البدع .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال النووي في كتاب الأذكار في باب { ما يقول إذا عرض له شيطان } ينبغي أن يتعوذ ثم يقرأ من القرآن ما تيسر ثم ، قال : وينبغي أن يؤذن أذان الصلاة فقد روينا في صحيح مسلم عن سهيل بن أبي صالح أنه ، قال : أرسلني أبي إلى بني حارثة ، ومعي غلام لنا فناداه مناد من حائط باسمه وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا ، فذكرت ذلك لأبي ، فقال : لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ، ولكنك إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إن الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر } وقال في شرح المهذب يستحب إذا تغولت الغيلان أن يقول ما رواه جابر [ ص: 434 ] إن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان } والغيلان : طائفة من الجن والشياطين ، وهم سحرتهم ومعنى تغولت تلونت في صور انتهى . وزاد في الأذكار ، فقال : والمراد ادفعوا شرهم بالأذان فإن الشيطان إذا سمع الأذان أدبر انتهى . ولم أقف على استحباب ذلك في كلام أهل المذهب مع أن القصة التي ذكرها عن صحيح مسلم فهي في كتاب الأذان منه ولم يتكلم عليها القاضي عياض ولا القرطبي ولا الأبي والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            ( الثالث ) قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في كتاب الجامع من مختصر المدونة وكره مالك أن يؤذن في أذن الصبي المولود انتهى . وقال في النوادر بإثر العقيقة في ترجمة الختان ، والخفاض ، وأنكر مالك أن يؤذن في أذنه حين يولد انتهى . وقال الجزولي في شرح الرسالة : وقد استحب بعض أهل العلم أن يؤذن في أذن الصبي ويقيم حين يولد انتهى . وقال النووي في الأذكار ، قال جماعة من أصحابنا : يستحب أن يؤذن في أذن الصبي اليمنى ، ويقيم الصلاة في أذنه الأخرى ، وقد روينا في سنن أبي داود والترمذي عن أبي رافع ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم { أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة } قال الترمذي حديث حسن صحيح وروينا في كتاب ابن السني عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في الأذن اليسرى لم تضره أم الصبيان } انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) وقد جرى عمل الناس بذلك فلا بأس بالعمل به والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية