الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب نهي المرأة أن تلبس ما يحكي بدنها أو تشبه بالرجال

                                                                                                                                            588 - ( عن أسامة بن زيد قال : { كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهدى له دحية الكلبي ، فكسوتها امرأتي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما لك لا تلبس القبطية ؟ فقلت : يا رسول الله كسوتها امرأتي ، فقال : مرها أن تجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبزار وابن سعد والروياني والبارودي والطبراني والبيهقي والضياء في المختارة ، وقد أخرج نحوه أبو داود عن دحية بن خليفة . قال : { أتي رسول الله بقباطي ، فأعطاني منها قبطية فقال : اصدعها صدعين فاقطع أحدهما قميصا وأعط الآخر امرأتك تختمر به ، فلما أدبر قال : ومر امرأتك تجعل تحته ثوبا لا يصفها } وفي إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بحديثه ، وقد تابع ابن لهيعة على روايته هذه أبو العباس يحيى بن أيوب المصري وفيه مقال ، وقد احتج به مسلم واستشهد به البخاري .

                                                                                                                                            قوله : ( قبطية ) قال في القاموس : بضم القاف على غير قياس ، وقد تكسر وفي الضياء بكسرها [ ص: 136 ] وقال القاضي عياض : بالضم وهي نسبة إلى القبط بكسر القاف وهم أهل مصر .

                                                                                                                                            قوله : ( غلالة ) الغلالة بكسر الغين المعجمة شعار يلبس تحت الثوب كما في القاموس وغيره . والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها لا يصفه وهذا شرط ساتر العورة . ، وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقيق لا تستر البشرة عن رؤية الناظر بل تصفها .

                                                                                                                                            589 - ( وعن أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وهي تختمر ، فقال : لية لا ليتين } رواه أحمد وأبو داود ) . الحديث رواه عن أم سلمة وهب مولى أبي أحمد ، قال المنذري : وهذا يشبه المجهول ، وفي الخلاصة أنه وثقه ابن حبان .

                                                                                                                                            قوله : ( وهي تختمر ) الواو للحال ، والتقدير دخل عليها حال كونها تصلح خمارها ، يقال : اختمرت المرأة وتخمرت إذا لبست الخمار كما يقال : اعتم وتعمم إذا لبس العمامة .

                                                                                                                                            قوله : ( فقال لية ) بفتح اللام وتشديد الياء ، والنصب على المصدر ، والناصب فعل مقدر ، والتقدير : ألويه لية .

                                                                                                                                            قوله : ( ليتين ) أمرها أن تلوي خمارها على رأسها وتديره مرة واحدة لا مرتين لئلا يشبه اختمارها تدوير عمائم الرجال إذا اعتموا فيكون ذلك من التشبه المحرم وسيأتي أنه محرم على العموم من دون تخصيص .

                                                                                                                                            590 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صنفان من أهل النار لم أرهما بعد نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رءوسهن أمثال أسنمة البخت المائلة ، لا يرين الجنة ولا يجدن ريحها ، ورجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس } . رواه أحمد ومسلم ) .

                                                                                                                                            قوله : ( صنفان من أهل النار ) فيه ذم هذين الصنفين . قال النووي : هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان .

                                                                                                                                            قوله : ( كاسيات عاريات ) قيل : كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها . وقيل : معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهارا لجمالها ونحوه ، وقيل : تلبس ثوبا رقيقا يصف لون بدنها .

                                                                                                                                            قوله : ( مائلات ) أي عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه ( مميلات ) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم . وقيل : مائلات بمشيهن متبخترات مميلات بأكتافهن ، وقيل : المائلات مشطة البغايا المميلات بمشطهن غيرهن تلك المشطة .

                                                                                                                                            قوله : ( على رءوسهن أمثال أسنمة البخت ) أي [ ص: 137 ] يكرمن شعورهن ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوها . بضم الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة والتاء المثناة : الإبل الخراسانية . والحديث ساقه المصنف للاستدلال به على كراهة لبس المرأة ما يحكي بدنها ، وهو أحد التفاسير كما تقدم ، والإخبار بأن من فعل ذلك من أهل النار وأنه لا يجد ريح الجنة مع أن ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام وعيد شديد يدل على تحريم ما اشتمل عليه الحديث من صفات هذين الصنفين .

                                                                                                                                            591 - ( وعن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الرجل يلبس لبس المرأة ، والمرأة تلبس لبس الرجل } . رواه أحمد وأبو داود ) . الحديث أخرجه أيضا النسائي ، ولم يتكلم عليه أبو داود ولا المنذري ، ورجال إسناده رجال الصحيح ، وأخرج أبو داود عن عائشة أنها قالت : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء } .

                                                                                                                                            وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس قال : { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء } .

                                                                                                                                            وأخرج أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه رأى امرأة متقلدة قوسا وهي تمشي مشية الرجل فقال : من هذه ؟ فقيل : هذه أم سعيد بنت أبي جهل فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ليس منا من تشبه بالرجال من النساء } .

                                                                                                                                            قوله : ( لبس المرأة ولبس الرجل ) رواية أبي داود " لبسة " في الموضعين . والحديث يدل على تحريم تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء ; لأن اللعن لا يكون إلا على فعل محرم ، وإليه ذهب الجمهور . وقال الشافعي في الأم : إنه لا يحرم زي النساء على الرجل وإنما يكره فكذا عكسه انتهى .

                                                                                                                                            وهذه الأحاديث ترد عليه ، ولهذا قال النووي في الروضة : والصواب أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام للحديث الصحيح انتهى . وقد { قال النبي صلى الله عليه وسلم في المترجلات : أخرجوهن من بيوتكم } وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال : { أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال هذا ؟ فقالوا : يتشبه بالنساء ، فأمر به فنفي إلى النقيع ، قيل : يا رسول الله ألا تقتله ؟ قال : إني نهيت أن أقتل المصلين } .

                                                                                                                                            وروى البيهقي أن أبا بكر أخرج مخنثا ، وأخرج عمر واحدا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية