الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بيان معنى القضاء والقدر

قال في «أشعة اللمعات» : في «القاموس» : القدر - بالتحريك : القضاء والحكم . وفي «النهاية» : القدر : ما قضى الله وحكم به من الأمور ، وقد يسكن ، وليلة القدر هي التي تقدر وتقضى فيها أرزاق العباد وأعمالهم .

وفي «الصراح» القدر - بالسكون ، وبالحركة - : تقدير الله الحكم على العبد .

وبهذا ظهر أن «القضاء» و «القدر» بمعنى واحد ، وقد يفرق بينهما ، فيقال : «القضاء» : هو الحكم الأزلي ، و «القدر» : وقوعه في الأزل .

وبهذا المعنى يكون القضاء سابقا على القدر ، كما قال سبحانه : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .

[ ص: 147 ] فالمحو والإثبات عبارة عن القدر ، «وأم الكتاب» عبارة عن القضاء .

وقد يطلق على عكس ذلك ، فيراد بالقدر : التقدير الأزلي ، وبالقضاء : الإيجاد على وفقه ، كما قال : فقضاهن سبع سماوات [فصلت : 12]; أي : خلقهن .

وعلى هذا فقوله : «جف القلم بما هو كائن» عبارة عن التقدير ، كل يوم هو في شأن [الرحمن : 29] عبارة عن القضاء .

قال الغزالي في «المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» : إن الحكم والقضاء والقدر : توجيه الأسباب نحو المسببات .

فالحكم مطلق ، والله سبحانه مسبب لجميع الأسباب ، مجملها ومفصلها ، ويتشعب ويتفرع من الحكم : القضاء والقدر .

فالتدبير الإلهي لأصل وضع الأسباب ، حتى تتوجه إلى جانب المسببات حكم له ، وإقامة الأسباب الكلية وإيجادها; كخلق الأرض والسماوات والكواكب مع حركاتها المتناسبة لها ونحوها ، مما لا يتغير ولا يتبدل ، ولا يعدم ، إلى أجل مسمى هو القضاء ، وتوجيه هذه الأسباب بالأحوال الملائمة ، والحركات المتناسبة المحدودة المقدرة المحسوسة ، إلى جانب المسببات وحدوثها آنا فآنا ، هو القدر .

فالحكم : هو التدبير الكلي لجميع الأوامر كلمح البصر . والقضاء : هو وضع الكل للأسباب الكلية الدائمة .

والقدر : هو توجيه هذه الأسباب الكلية بالمسببات المعدودة بعدد معين ، لا يزيد ولا ينقص .

ومن هنا إنه لا يخرج شيء من الأشياء من قضائه تعالى وقدره ، ولا يقبل الزيادة والنقصان . سبحانه ما أعظم شأنه !

التالي السابق


الخدمات العلمية