الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وسبق أن العفو عن القود وغيره أفضل بلا تفصيل ، وهو عمل الإمام أحمد في المحنة وغيرها ، ونقل حنبل عنه : ابن أبي داود وأمثاله لا أحللهم ، ونقل إبراهيم الحربي لولا أن ابن أبي داود داعية لأحللته ، ونقل عبد الله أنه أحل ابن أبي داود وعبد الرحمن بن إسحاق فيما بعد ، ويلزم من نصه هنا أن لا يعفو عن ظالم ، لأنه إذا لم ينصره في ترك الحرام لما هو عليه من الظلم في شيء آخر فهنا أولى ، وذكره القاضي وغيره في أحكام القرآن في قوله { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } أنها محمولة على من تعدى وأصر ، وآيات العفو محمولة على أن الجاني نادم ، وظهر أنه يلزم من نصه على العفو عنه نصره على ظالمه ، فالمسألتان على روايتين ، وقد ذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس : قال رجل لابن سيرين : إني وقعت فيك فاجعلني في حل ، قال : لا أحب أن أحل لك ما حرم الله عليك .

                                                                                                          وقال شيخنا إن في الآية المذكورة فائدة عظيمة ، وهو [ ص: 150 ] أنه حمدهم على أنهم ينتصرون عند البغي عليهم ، كما أنهم هم يعفون عند الغضب ، ليسوا مثل الذي ليس له قوة الانتصار وفعله لعجزهم أو كسلهم أو وهنهم أو ذلهم أو حزنهم ، فإن أكثر من يترك الانتصار بالحق إنما يتركه لهذه الأمور وأشباهها ، وليسوا مثل الذي إذا غضب لا يغفر ولا يعفو ، بل يتعدى أو ينتقم حتى يكف من خارج ، كما عليه أكثر الناس إذا غضبوا وقدروا لا يقفون عند العدل فضلا عن الإحسان ، فحمدهم على أنهم هم ينتصرون وهم يغفرون ، ولهذا قال إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون أن يستذلوا ، فإذا قدروا عفوا ، إلى أن ذكر الروايتين في دفع الإنسان عن نفسه ثم قال : ويشبه أن لا يجب مفسدة تقاوم مفسدة الترك أو تفضي إلى فساد أكثر ، وعلى هذا تخرج قصة ابن آدم وعثمان رضي الله عنه ، بخلاف من لم يكن في دفعه إلا إتلاف مال الغير الظالم أو حبسه أو ضربه ، فهنا الوجوب أوجه ، وهذا معنى قوله { هم ينتصرون } ، فالانتصار قد يكون مستحبا تارة ، وقد يكون واجبا أخرى ، كالمغفرة سواء .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية