الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 340 - 341 ] وخلط بذر إن كان ، ولو بإخراجهما

التالي السابق


( وخلط ) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام مصدر خلط بفتحها فاعل فعل محذوف معطوف على سلم شرط أن أي وحصل خلط ( بذر ) بفتح الموحدة وسكون الذال المعجمة أي زريعة فشمل الزريعة الخضر التي تنقل كالبصل والقصب ، هذا هو الشائع في قراءته ويحتمل أنه فعل ماض بضم الخاء وكسر اللام عطف على سلم ( إن كان ) البذر منهما ، ويكفي الخلط ( ولو ) كان ( بإخراجهما ) أي شريكي المزارعة بذريهما وزرعهما في ناحيتين متميز كل بذره منهما عن الآخر ، هذا قول مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما ، وعليه يتفرع قوله الآتي ، فإن لم ينبت بذر أحدهما . . . إلخ .

وأشار بولو إلى قول سحنون لا يكفي هذا ولا بد من خلطهما في الزراعة بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر . ابن الحاجب والبذر المشترك شرطه الخلط كالمال الموضح لما كان الخلط ظاهرا في عدم تميز أحدهما عن الآخر بين أنه ليس المراد ذلك بقوله كالمال مشيرا إلى ما قدمه من كفاية كونه تحت أيديهما أو أحدهما هكذا قال مالك وابن القاسم [ ص: 342 ] رضي الله تعالى عنهما اللخمي واختلف النقل عن سحنون فقال مرة بقول مالك رضي الله تعالى عنه ، وقال مرة إنما تصح الشركة إذا خلطا الزريعة أو جمعاها في بيت أو حملاها إلى فدان ونص هذا الثاني عند ابن يونس ، ومن كتاب ابن سحنون ، وإذا صحت الشركة في الزراعة وأخرجا البذر جميعا إلا أنهما لم يخلطا فزرع هذا في فدان أو في بعضه ، وزرع الآخر في الناحية الأخرى ولم يعملا على ذلك فإن الشركة لم تنعقد ، ولكل واحد ما أثبت حبه ويتراجعان في فضل الأكرية ، ويتقاصان ، وإنما تتم الشركة إذا خلطا ما أخرجاه من الزريعة أو جمعاها في بيت واحد أو حملاها جميعا إلى الفدان وبذر كل واحد في طرفه فزرعا واحدة ثم زرعا الأخرى فهو جائز كما لو جمعا في بيت ، بعض القرويين وعند ابن القاسم الشركة جائزة خلطا أو لم يخلطا . ابن عبد السلام لعل المصنف إما سكت عن قول ابن القاسم في هذه المسألة لشركة جائزة خلطا أم لم يخلطا لاحتماله جواز الإقدام على ذلك ابتداء وأنه ممنوع أو لا لكنه إن وقع مضى وهو الظاهر من تفريعه ا هـ . وقال اللخمي فصل اختلف إذا كان البذر من عندهما هل من شرط الصحة أن يخلطاه قبل الحرث فأجاز مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما الشركة إذا أخرجا قمحا أو شعيرا ، وإن لم يخلطا وهو أيضا أصلهما في الشركة في الدراهم والدنانير ، واختلف عن سحنون فذكر مثل ما تقدم . ا هـ . فأشار المصنف إلى أن الخلط يكفي فيه إخراجهما البذر ولو لم يخلطا كما عند مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما وأحد قولي سحنون وهو غير ظاهر ، ولا يتأتى عليه ما فرعه المصنف بقوله فإن لم يثبت إلخ والله أعلم .

طفي قوله وخلط بذر إن كان إلخ ، هذا الشرط إنما يعرف لسحنون وإليه عزاه في الجواهر ، واقتصر عليه فتبعه ابن الحاجب والمصنف ، ومذهب مالك وابن القاسم " رضي الله تعالى عنه " عدم اشتراطه لا حسا ولا حكما على أصلهما في شركة المال وسحنون على أصله في اشتراط الخلط فيها ، فكل طرد أصله ، ولذا قال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب [ ص: 343 ] والبذر المشترك شرطه الخلط ، وسكت المصنف عن قول ابن القاسم في هذه المسألة الشركة جائزة خلطا أو لم يخلطا على ما حكاه بعض القرويين . ا هـ . وما عزاه لابن القاسم عن بعض القرويين هو كذلك في ابن يونس بعد أن نقل عن سحنون شرطها خلط البذر أو جمعه في بيت أو حمله جميعا إلى الفدان فعلم منه أن ابن القاسم لم يشترط الخلط لا حسا ولا حكما وقال اللخمي إلخ ما تقدم عنه .

وقال ابن عرفة وإذا كان البذر منهما ففي شرطها بخلطه قولا سحنون وعيسى عن ابن القاسم . سحنون جمعه في بيت أو حمله جميعا للفدان زريعة كل واحد في ظرفه زرعا واحدا ثم الآخر كخلطهما . ا هـ . فظهر لك من هذه النقول أن شرط الخلط الحكمي عند سحنون فقط . ووقع للمصنف في توضيحه ما يخالف هذا ، فإنه قال في قول ابن الحاجب والبذر المشترك شرطه الخلط كالمال ما نصه : ولما كان الخلط ظاهرا في عدم تميز أحدهما عن الآخر بين أنه ليس المراد ذلك بقوله كالمال ، فأشار إلى ما قدمه وهو أن يكون تحت أيديهما أو أحدهما ، وهكذا قال مالك وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما .

اللخمي واختلف عن سحنون فقال مرة إلخ ما تقدم ، فظاهره أن مالكا وابن القاسم رضي الله تعالى عنهما قالا بشرط الخلط الحكمي هنا وفي شركة المال ، وليس كذلك ، بل ليس بشرط في الصحة عندهما فيهما كما علمت . ولذا قال ابن عرفة في شركة المال ففي شرطها بالخلط الحسي المفيد عدم تمز أحدهما عن الآخر ، أو بمجرد اجتماعهما في حوز واحد ثالثها هذا ، أو شراء كل بماله على الشركة ، أو أحدهما فقط في ثبوتها فيه للخمي عن الغير وعن سحنون وقول ابن القاسم فيها . ا هـ . فأفاد أن اشتراط الخلط لسحنون فقط ، وقول ابن القاسم فيها عدمه وكل على أصله في شركة المال وفي شركة الزرع ، فما نسبه في التوضيح لابن القاسم ليس كذلك ، ولا سلف له فيه ، ولم يكن ذلك في ابن عبد السلام الذي يتبعه المصنف غالبا ، وعلى ما قال لا يصح كلامه إذ لا فرق حينئذ بين قول سحنون الذي وافق فيه مالكا وابن القاسم رضي الله تعالى عنهم ، وقوله الآخر لشرط الخلط الحكمي فيهما . [ ص: 344 ] وقد اغتر " ح " بكلام التوضيح المذكور فقال بعده وبعد شيء من كلام اللخمي فأشار المصنف إلى أن الخلط يكفي فيه إخراجهما البذر ولو لم يخلطاه كما هو عند مالك وابن القاسم وأحد قولي سحنون رضي الله تعالى عنهم ، وأشار إلى قوله الآخر بلو ، وحمل الشارح كلام المصنف على قول سحنون وهو غير ظاهر . ا هـ . فظاهره أن مالكا وابن القاسم " رضي الله تعالى عنهما " شرطا الخلط الحكمي ، وليس كذلك كما علمت ، وظهر لك أن الصواب حمل الشارح ، وقد نقل الحط صدر كلام اللخمي الدال على المراد ولم يتنبه له ولا لما في كلام التوضيح من اتحاد القولين والله الموفق .

البناني قوله ولو بإخراجهما المراد بإخراجهما كما في " ح " إن خرجا معا بالبذر ولو زرع هذا بذره في ناحية ، وهذا في ناحية ، وزرع أحدهما متميز عن الآخر ، وهذا أحد قولي سحنون ، والمراد بلو قوله الآخر إنه لا يكفي إخراجهما على الوجه المذكور ، بل لا بد أن يصير البذران بعد زرعهما بحيث لا يتميز أحدها عن الآخر ، هكذا ذكر القولين ابن يونس عن سحنون وابن شاس ، فحمل " ز " الإخراج في كلام المصنف على القول الثاني غير صواب .

وقوله ورد المصنف بلو القول باشتراط الخلط الحسي غير صحيح إذ لم ينقل عن أحد اشتراط الخلط الحسي ، ثم قال البناني بعد نقل كلام طفي المتقدم الظاهر أن المصنف أراد في التوضيح حمل كلام ابن الحاجب على الراجح من القولين ، وهو عدم اشتراط الخلط وأن تعبيره بالخلط في كلامه تسامح بقرينة التشبيه في قوله كالمال ، فتبعه " ح " ، على ذلك في حمل كلام المصنف هنا فرارا من حمله على ضعيف وهو ظاهر ، ولا يلزم منه [ ص: 345 ] أن مالكا وابن القاسم " رضي الله تعالى عنهما " قالا بشرط الخلط الحكمي كما لا يلزم منه اتحاد قولي سحنون لوضوح الفرق بينهما مما قدمناه ، لأن مراده بالقول بالخلط أنه لا بد من خلطهما بعد الزراعة بحيث لا يتميز أحدهما من الآخر ، والقول الآخر بخلافه ، كما نقله ابن يونس عن كتاب ابن سحنون إذ قال لو بذر كل بذره في ناحية على الشركة فلا شركة بينهما ولكل ما أنبته بذره ، ويتراجعان في فضل الأكرية .

ابن يونس وقال بعض القرويين هي عند ابن القاسم صحيحة نقله ابن عرفة ، ومثله في " ح " ، وأراد طفي حمل كلام المصنف على الأول من هذين القولين كما فعل الشارح وليس بصواب ، ويدل على بطلانه قول المصنف ، فإن لم ينبت بذر أحدهما إلخ ، فإنه لا يتفرع إلا على قول ابن القاسم ، ولا يصح تفريعه على شرط الخلط وهو القول الأول لسحنون لأن التمييز عنده يوجب بطلان الشركة مطلقا أنبت بذر كل منهما أم لا .

وبقي شرط وهو تماثل البذرين جنسا ، فإن أخرج أحدهما قمحا والآخر شعيرا أو سلتا أو صنفين من القطنية ، فقال سحنون لكل واحد ما أنبته بذره ويتراجعان في الأكرية ، ثم قال تجوز إذا اعتدلت القيمة اللخمي يريد والمكيلة ذكره " ح " . عج والخلاف جار أيضا إذا كان بدل الشعير فولا خلافا لمن قال تمتنع الشركة بالقمح والفول اتفاقا أفاده عب ، وتمام عبارة ح ، ونقله ابن عرفة عن ابن يونس وزاد بعده . قال [ ص: 346 ] بعض القرويين من لم يجز الشركة بالدنانير والدراهم لم يجز المزارعة بطعامين مختلفين ولو اعتدلت قيمتهما لعدم حصول المناجزة لبقاء يد كل واحد على طعامه ، ولكل واحد ما أنبته طعامه ، ولا يكون التمكين قبضا كالشركة الفاسدة بالعروض لا يضمن كل واحد سلعة صاحبه ، وإنما يشتركان بأثمان السلع التي وقعت الشركة فيها فاسدة ا هـ والله الموفق .




الخدمات العلمية