الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا ) يكره ( بيع من يزيد ) لما مر ويسمى بيع الدلالة ( ولا يفرق ) عبر بالنفي مبالغة في المنع { للعنه عليه الصلاة والسلام من فرق بين والد وولده وأخ وأخيه } رواه ابن ماجه وغيره عيني . وعن الثاني فساده مطلقا ، وبه قال زفر والأئمة الثلاثة ( بين صغير ) غير بالغ ( وذي رحم محرم منه ) أي محرم من جهة الرحم لا الرضاع كابن عم هو أخ رضاعا فافهم .

( إلا إذا كان ) التفريق بإعتاق وتوابعه ولو على مال ، أو ببيع ممن حلف بعتقه ، أو كان المالك كافرا لعدم مخاطبته بالشرائع ، [ ص: 104 ] أو متعددا ولو الآخر لطفله أو مكاتبه فلا بأس به ، أو تعدد محارمه فله بيع ما سوى واحد غير الأقرب والأبوين والملحق بهما فتح ، أو ( بحق مستحق ) [ ص: 105 ] كخروجه مستحقا ، و ( كدفع أحدهما بالجناية وبيعه بالدين ) أو بإتلاف مال الغير ( ورده بعيب ) ; لأن النظر في دفع الضرر عن الغير لا في الضرر بالغير ( بخلاف الكبيرين والزوجين ) فلا بأس به خلافا لأحمد ، فالمستثنى أحد عشر .

( وكما يكره التفريق ببيع ) وغيره من أسباب الملك كصدقة ووصية ( يكره ) بشراء إلا من حربي ابن ملك ، و ( بقسمة في الميراث والغنائم ) جوهرة .

اعلم أن فسخ المكروه واجب على كل واحد منهما أيضا بحر وغيره لرفع الإثم مجمع . وفيه : وتصحح شراء كافر مسلما ومصحفا مع الإجبار على إخراجهما عن ملكه وسيجيء في المتفرقات .

التالي السابق


( قوله لما مر ) أي قريبا من قوله وقد باع عليه الصلاة والسلام إلخ ( قوله ويسمى بيع الدلالة ) أي بيع الدلال . قال في الفتح . وهو صفة البيع في أسواق المسمى بالبيع في الدلالة .

مطلب في التفريق بين الصغير ومحرمه ( قوله ولا يفرق ) بالبناء للمجهول وهو أولى من قول النهر : ولا يفرق المالك ; لأن حذف الفاعل لا يجوز إلا أن يقال إنه تفسير للضمير الراجع إلى الملك المفهوم من المقام تأمل وكما يمنع المالك عن التفريق يمنع المشتري كما يأتي ، والكراهة فيه تحريمية كما في الفتح ( قوله عبر بالنفي مبالغة في المنع ) كذا في الفتح . ووجهه أن شأن المسلم عدم فعل المحرم شرعا فكأنه أمر لا يقع منه فلا حاجة إلى نهيه عنه ( قوله عن الثاني إلخ ) قال العلامة نوح في حواشي الدرر ، وعن أبي يوسف روايتان : رواية لا يجوز البيع في قرابة الولاد ويجوز في قرابة غيرها ، وهو الأصح في مذهب الشافعي . وفي رواية لا يجوز في الكل : أي قرابة الولاد وغيرها ، وهو قول الإمام أحمد ; لأن الأمر بالرد في الحديث لا يكون إلا للفاسد ، وقال مالك : لا يجوز في الأم ويجوز في غيرها . ا هـ ، وما ذكره الشارح بعيد عن هذا ط ( قوله غير بالغ ) أشار به إلى أن مدة منع التفريق تمتد إلى بلوغ الصغير بالاحتلام أو بالحيض ، وهو قول للشافعي في أظهر قوليه إلى زمان التمييز سبع أو ثمان بالتقريب . وقال بعض مشايخنا إذا راهقا ورضيا بالتفريق فلا بأس به ; لأنهما من أهل النظر لأنفسهما وربما يريان المصلحة في ذلك فتح ( قوله وذي رحم ) أطلقه فشمل ما إذا كان صغيرا أيضا أو كبيرا كما في الهداية وغيرها ولذا قال بعده بخلاف الكبيرين ( قوله أي محرم من جهة الرحم ) أشار إلى أن الضمير في منه راجع إلى الرحم لا إلى الصغير فلا بد أن تكون محرميته في جهة الرحم لا من الرضاع احترازا عن ابن عم هو أخ رضاعة فإنه رحم محرم لكن محرميته من الرضاع لا من الرحم ، وإلى ذلك أشار بقوله فافهم .

وخرج أيضا بالأولى المحرم لا من الرحم كالأخ الأجنبي رضاعا وامرأة الأب والرحم غير المحرم كابن العم ( قوله وتوابعه ) هي التدبير والاستيلاد والكفاية ح ( قوله ولو على مال ) مبالغة على الإعتاق فقط كما لا يخفى ، فلو قدمه لكان أولى ا هـ ح لكن إذا كان مما لا يخفى استوى فيه التقديم والتأخير فافهم ( قوله أو ببيع ممن حلف بعتقه ) أي إذا حلف بقوله إن ملكت هذا فهو حر فباعه المالك منه ليعتق لم يكره ; لأن العتق ليس بتفريق بل فيه زيادة التمكن من الاجتماع مع محرمه ( قوله أو كان المالك كافرا ) ظاهرا ولو كان المشتري مسلما لكن لا يناسبه التعليل [ ص: 104 ] مع أنه يكره التفريق بالشراء . وفي الفتح أما إذا كان كافرا فلا يكره ; لأنهم غير مخاطبين بالشرائع . والوجه أنه إن كان التفريق في ملتهم حلالا لا يتعرض لهم إلا إن كان بيعهم من مسلم فيمتنع على المسلم وإن كان ممتنعا في ملتهم فلا يجوز . ا هـ وذكر قبله أنه يجوز للمسلم شراؤه من حربي مستأمن ; لأن مفسدة التفريق عارضها أعظم منها وهو ذهابه إلى دار الحرب ، وفيه مفسدة الدين والدنيا ، أما الدين فظاهر ، وأما الدنيا فتعريضه للقتل والسبي ا هـ . وظاهره أنه يكره للمسلم شراؤه من كافر غير حربي لعدم هذه المفسدة المعارضة ، وهو موافق لما استوجهه فيما مر ; وعلى هذا فلا وجه لما في النهر من أن المراد بالحربي الكافر ، وبه ظهر أنه كان الأولى للشارح أن يقول كما في البحر : أو كان البائع حربيا مستأمنا لمسلم فإنه لا يمنع المسلم من الشراء دفعا للمفسدة ( قوله أو متعددا إلخ ) أي إذا كان المالك متعددا ، بأن كان أحدهما لزيد والآخر لعمرو فلا بأس بالبيع وإن كان العبد الآخر لطفل المالك الأول أو لمكاتبه ، إذ الشرط اجتماعهما في ملك شخص واحد . قال في البزازية : ولو أحدهما له والآخر لولده الصغير أو لمملوكه أو لمكاتبه أو مضاربه لا يكره التفريق ، ولو كلاهما له فباع أحدهما من ابنه الصغير يكره ا هـ . وبقي ما إذا كانت الشركة في كل منهما معا ، وظاهر القهستاني عدم الكراهة أيضا فليراجع ( قوله فلا بأس ) جواب لقوله ولو الآخر لطفله على أن لو شرطية لا وصلية ، وإنما فصله عما قبله مصرحا بالجواب للتنبيه على أنه لا يكره وإن كان له ولاية على طفله بحيث يمكنه بيعهما معا بلا تفريق وإن كان له حق في مال مكاتبه بحيث يمكن عود الآخر إلى ملكه إذا عجز المكاتب فافهم .

( قوله أو تعدد محارمه إلخ ) أي محارم الصغير ، كما لو كان له أخوان شقيقان مثلا أو عمان أو خالان أو أكثر فله بيع الزائد على الواحد منهم ، ويبقى الواحد مع الصغير ليستأنس به . وله بيع الصغير مع واحد منهم ولا وحده . قال في الفتح : وكذا لو ملك ستة إخوة ثلاثة كبارا وثلاثة صغارا فباع مع كل صغير كبيرا جازا استحسانا ( قوله غير الأقرب ) حال من ما ا هـ ح ، فلو كان معه أخت شقيقة وأخت لأب وأخت لأم باع غير الشقيقة كما في الفتخ ( قوله والأبوين ) أي وغير الأبوين ، فإذا كان معه أبواه لا يبيع واحد منهما هو الصحيح في المذهب كما في البحر عن الكفاية ( قوله والملحق بهما ) كأخ لأب وأخ لأم أو خال وعم ، فالمدلي بقرابة الأم قام مقامها ، والمدلي بالأب كالأب . وإذا كان للصغير أب وأم واجتمعوا في ملك واحد لا يفرق بين أحدهم فكذا هنا وكذا لو كان له عمة وخالة أو أم أب وأم أم لم يفرق بينه وبين أحدهما جوهرة .

قلت : لكن الإلحاق بالأبوين إنما يعتبر عند عدم أحدهما ، لما في الفتح : ولو كان معه أم وأخ أو أم وعمة أو خالة أو أخ جاز بيع من سوى الأم في ظاهر الرواية وهو الصحيح ; لأن شفقة الأم تغني عمن سواها ولذا كانت أحق بالحضانة من غيرها ، والجدة كالأم ; فلو كان له جدة وعمة وخالة جاز بيع العمة والخالة ، ولو كان معه عمة وخالة لم يباعوا إلا معا لاختلاف الجهة مع اتحاد الدرجة . ثم قال : ولو ادعاه رجلان فصارا أبوين له ثم ملكوا جملة فالقياس أن يباع أحدهما لاتحاد جهتهما . وفي الاستحسان ، ولا يباع ; لأن الأب في الحقيقة واحد فاحتمل كونه الذي بيع فيمتنع احتياطا ، فصار الأصل أنه إذا كان معه عدد أحدهم أبعد جاز بيعه ، وإن كانوا في درجة [ ص: 105 ] وكانوا من جنسين مختلفين كالأب والأم والخالة والعمة لا يفرق ولكن يباع الكل أو يمسك الكل ، وإن كانوا من جنس واحد كالأخوين والعمين والخالين جاز أن يمسك مع الصغير أحدهما ويبيع ما سواه ، ومثل الخال والعم أخ لأب وأخ لأم . ا هـ .

( قوله كخروجه مستحقا ) بأن ادعى رجل أحدهما أنه له وأثبته ( قوله بالجناية ) كأن قتل أحدهما رجلا خطأ ودفعه سيده بها ( قوله وبيعه بالدين ) بأن كان مأذونا واستغرقه الدين ( قوله ; لأن النظر إلخ ) يعني أن المنظور إليه في منع التفريق دفع الضرر عن غيره وهو الصغير لا إلحاق الضرر به : أي بالمالك ، فلو منعنا التفريق هنا كان إلزاما للضرر بالملك كذا في الفتح ، أي ; لأن المالك يتضرر بإلزامه الفداء لولي الجناية وإلزامه القيمة للغرماء وإلزامه المعيب من غير اختياره زيلعي ( قوله والزوجين ) أي ولو صغيرين زيلعي ( قوله فالمستثنى أحد عشر ) كان الواجب تقديم هذه الجملة على قوله بخلاف الكبيرين والزوجين لعدم دخولهما في المستثنى منه ا هـ ح والأحد عشر : الإعتاق ، توابعه ، بيعه ممن حلف بعتقه كون المالك كافرا كونه متعددا ، تعدد المحارم ، ظهوره مستحقا دفعه بجناية ، بيعه بالدين ، بيعه بإتلاف مال ، ورده بعيب . وزاد في البحر ما إذا كان الصغير مراهقا ورضيت أمه ببيعه . ا هـ ط .

قلت في الفتح : لو كان الولد مراهقا فرضي بالبيع واختاره ورضيته أمه جاز بيعه . ا هـ . ويزاد أيضا ما في الفتح حيث قال : ومن صور جواز التفريق ما في المبسوط إذا كان للذمي عبد له امرأة أمة ولدت منه وأسلم العبد وولده صغير فإنه يجبر الذمي على بيع العبد وابنه وإن كان تفريقا بينه وبين أمه ; لأنه يصير مسلما بإسلام أبيه فهذا تفريق بحق ( قوله إلا من حربي ) ; لأن مفسدة التفريق عارضها أعظم منها كما قدمناه ( قوله أيضا ) أي كما في البيع الفاسد ، وقدمنا عن الدرر أنه لا يجب فسخه ، وما ذكره الشارح عزاه في الفتح أول باب الإقالة إلى النهاية ثم قال وتبعه غيره وهو حق ; لأن رفع المعصية واجب بقدر الإمكان ا هـ . قلت : ويمكن التوفيق بوجوبه عليهما ديانة . بخلاف البيع الفاسد ، فإنهما إذا أصرا عليه يفسخه القاضي جبرا عليهما . ووجهه أن البيع هنا صحيح ويملك قبل القبض ويجب فيه الثمن لا القيمة ، فلا يلي القاضي فسخه لحصول الملك الصحيح ( قوله مجمع ) عبارته : ويجوز البيع ويأثم . ا هـ وليس فيه ذكر الفسخ ( قوله مسلما ) أي رقيقا مسلما ط ( قوله مع الإجبار إلخ ) أي لرفع ذل الكافر عن المسلم ولحفظ الكتاب عن الإهانة ط ، والله سبحانه أعلم .




الخدمات العلمية