الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 662 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ( 16 ) لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ( 17 ) )

يقول تعالى ذكره : وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحق والاستقامة ( لأسقيناهم ماء غدقا ) يقول : لوسعنا عليهم في الرزق ، وبسطناهم في الدنيا ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنختبرهم فيه .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) يعني بالاستقامة : الطاعة . فأما الغدق : فالماء الطاهر الكثير ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنبتليهم به .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) طريقة الإسلام ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : نافعا كثيرا ، لأعطيناهم مالا كثيرا ( لنفتنهم فيه ) حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء .

حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي ، قال : ثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زياد ، عن مجاهد ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : طريقة الحق ( لأسقيناهم ماء غدقا ) يقول : مالا كثيرا ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم به حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن مجاهد ، عن أبيه ، مثله .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن مجاهد ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : الإسلام ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : الكثير ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم به .

قال : ثنا مهران ، عن أبي سنان ، عن غير واحد ، عن مجاهد ( ماء غدقا ) قال [ ص: 663 ] الماء الغدق : الكثير ( لنفتنهم فيه ) حتى يرجعوا إلى علمي فيهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : لأعطيناهم مالا كثيرا ، قوله : ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم .

حدثني أبو السائب ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن بعض أصحابه ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : الدين ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : مالا كثيرا ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنبتليهم به .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا . قال الله : ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنبتليهم بها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : لو اتقوا لوسع عليهم في الرزق ( لنفتنهم فيه ) قال : لنبتليهم فيه .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ( ماء غدقا ) قال : عيشا رغدا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : الغدق : الكثير ، مال كثير ( لنفتنهم فيه ) لنختبرهم فيه .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال : ثنا المطلب بن زياد ، عن التيمي ، قال : قال عمر رضي الله عنه في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ) قال : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأن لو استقاموا على الضلالة لأعطيناهم سعة من الرزق لنستدرجهم بها .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، قال : وأن لو استقاموا على طريقة الضلالة . [ ص: 664 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأن لو استقاموا على طريقة الحق وآمنوا لوسعنا عليهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) قال : هذا مثل ضربه الله كقوله : ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) وقوله تعالى : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) والماء الغدق يعني : الماء الكثير ( لنفتنهم فيه ) لنبتليهم فيه .

وقوله : ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) يقول عز وجل : ومن يعرض عن ذكر ربه الذي ذكره به ، وهو هذا القرآن; ومعناه : ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله ، يسلكه الله عذابا صعدا : يقول : يسلكه الله عذابا شديدا شاقا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) يقول : مشقة من العذاب يصعد فيها .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( عذابا صعدا ) قال : مشقة من العذاب .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( عذابا صعدا ) قال : جبل في جهنم .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يسلكه عذابا صعدا ) عذابا لا راحة فيه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( عذابا صعدا ) قال : صعودا من عذاب الله لا راحة فيه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : [ ص: 665 ] ( يسلكه عذابا ) قال : الصعد : العذاب المنصب .

واختلفت القراء في قراءة قوله : ( يسلكه ) فقرأه بعض قراء مكة والبصرة ( نسلكه ) بالنون اعتبارا بقوله : ( لنفتنهم ) أنها بالنون . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالياء ، بمعنى : يسلكه الله ، ردا على الرب في قوله : ( ومن يعرض عن ذكر ربه ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية