الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : واللاتي يأتين الفاحشة الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الفريابي ، والبزار، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس في "ناسخه"، والطبراني ، من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة الآية، قال : كانت المرأة إذا فجرت حبست في البيوت، فإن ماتت ماتت، وإن عاشت عاشت، حتى نزلت الآية في سورة "النور" : الزانية والزاني [النور : 2] فجعل الله لهن سبيلا، فمن عمل شيئا جلد وأرسل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، والنحاس في "ناسخه"، والبيهقي في "سننه"، من طريق علي عن ابن عباس في الآية قال : كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت حتى تموت، ثم أنزل الله بعد ذلك : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة [ ص: 273 ] فإن كانا محصنين رجما، فهذا السبيل الذي جعله الله لهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في "ناسخه"، وابن أبي حاتم ، من طريق عطاء، عن ابن عباس في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم وقوله : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [الطلاق : 1] وقوله : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [النساء : 19] قال : كان ذكر الفاحشة في هؤلاء الآيات قبل أن تنزل سورة "النور" بالجلد والرجم، فإن جاءت اليوم بفاحشة مبينة، فإنها تخرج فترجم، فنسختها هذه الآية : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة والسبيل الذي جعل الله لهن الجلد والرجم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو داود في "سننه" والبيهقي من طريق عكرمة، عن ابن عباس : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم إلى قوله : سبيلا وذكر الرجل بعد المرأة، ثم جمعهما جميعا فقال : واللذان يأتيانها منكم فآذوهما الآية . ثم نسخ ذلك بآية الجلد، فقال : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج آدم، والبيهقي في "سننه"، عن مجاهد في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم يعني الزنى، كان أمر أن يحبسن، ثم [ ص: 274 ] نسختها : الزانية والزاني فاجلدوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج آدم، وأبو داود في "سننه"، والبيهقي ، عن مجاهد قال : السبيل : الحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وأبو داود في "ناسخه"، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة الآية . قال : كان هذا بدء عقوبة الزنى؛ كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعا، ويعيران بالقول وبالسب، ثم إن الله أنزل بعد ذلك في سورة "النور" جعل الله لهن سبيلا؛ فصارت السنة في من أحصن الرجم بالحجارة، وفي من لم يحصن جلد مائة ونفي سنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، والنحاس عن قتادة في الآية قال : نسختها الحدود .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي في "سننه" عن الحسن في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة الآية، قال : كان أول حدود النساء كن يحبسن في بيوت لهن حتى نزلت الآية التي في "النور" .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 275 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : واللاتي يأتين الفاحشة يعني : الزنى، من نسائكم يعني : المرأة الثيب من المسلمين، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم يعني من المسلمين الأحرار، فإن شهدوا يعني بالزنى، فأمسكوهن يعني : احبسوهن، في البيوت يعني : في السجون، كان هذا في أول الإسلام؛ كانت المرأة إذا شهد عليها أربعة من المسلمين عدول بالزنى حبست في السجن، فإن كان لها زوج أخذ المهر منها، ولكنه ينفق عليها من غير طلاق، وليس عليها حد ولا يجامعها، ولكن يحبسها في السجن، حتى يتوفاهن الموت يعني : حتى تموت المرأة وهي على تلك الحال، أو يجعل الله لهن سبيلا يعني : مخرجا من الحبس، والمخرج الحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : هؤلاء اللاتي قد أنكحن وأحصن، إذا زنت المرأة كانت تحبس في البيوت، ويأخذ زوجها مهرها فهو له، وذلك قوله : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا [البقرة : 229] إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [الطلاق : 1] الزنى، حتى جاءت الحدود فنسختها، فجلدت ورجمت، وكان مهرها ميراثا، فكان السبيل هو الحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الشافعي، والطيالسي، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، [ ص: 276 ] وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والدارمي، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن الجارود، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطحاوي، والنحاس ، وابن حبان ، عن عبادة بن الصامت قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وتربد وجهه، وفي لفظ لابن جرير : يأخذه كهيئة الغشي لما يجد من ثقل ذلك، فأنزل الله عليه ذات يوم، فلما سري عنه قال : «خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلا : الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة، والبكر جلد مائة ثم نفي سنة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن سلمة بن المحبق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس قال : لما نزلت الفرائض في سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا حبس بعد سورة النساء» .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية