الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      287 حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت يا رسول الله إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم فقال أنعت لك الكرسف فإنه يذهب الدم قالت هو أكثر من ذلك قال فاتخذي ثوبا فقالت هو أكثر من ذلك إنما أثج ثجا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر وإن قويت عليهما فأنت أعلم قال لها إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثا وعشرين ليلة أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي فإن ذلك يجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أعجب الأمرين إلي قال أبو داود ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل قال فقالت حمنة فقلت هذا أعجب الأمرين إلي لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم جعله كلام حمنة قال أبو داود وعمرو بن ثابت رافضي رجل سوء ولكنه كان صدوقا في الحديث وثابت بن المقدام رجل ثقة وذكره عن يحيى بن معين قال أبو داود سمعت أحمد يقول حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( حدثنا زهير بن حرب وغيره ) : هكذا في جميع النسخ الحاضرة . وقال الحافظ جمال الدين المزي في تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف : وفي رواية أبي الحسن بن العبد عن زهير بن حرب وأبي جعفر محمد بن أبي سمينة جميعا عن عبد الملك . [ ص: 364 ] ( أستحاض حيضة كثيرة ) : بفتح الحاء وهو مصدر استحاض على حد أنبته الله نباتا حسنا ولا يضره الفرق في اصطلاح العلماء بين الحيض والاستحاضة ، إذ الكلام وارد على أصل اللغة ( أستفتيه وأخبره ) : الواو لمطلق الجمع وإلا كان حقها أن تقول فأخبره وأستفتيه ( فما ترى فيها قد منعتني الصلاة والصوم ) : بالنصب وفاعل منعتني الحيضة ، وهذه الجملة مستأنفة مبينة لما ألجأها إلى السؤال ويمكن أن يجعل حالا من الضمير المجرور في قولها فيها ( أنعت ) : أي أصف ( الكرسف ) : بضم الكاف وسكون الراء وضم السين القطن ، والمعنى أبين لك القطن فاستعمليه وتحشين به فرجك ( فإنه يذهب الدم ) : من الإذهاب ( قالت هو أكثر من ذلك ) : أي الدم أكثر من أن ينقطع بالقطن لاشتداده وفوره ( قال فاتخذي ثوبا ) : أي إن لم يكن القطن فاستعملي الثوب مكانه ( إنما أثج ثجا ) : بالمثلثة وتشديد الجيم ، أي أصب صبا . والثج جري الدم والماء جريا شديدا لازم ومتعد ، يقال ثججت الماء والدم إذا أسكبته ، وعلى هذا فالمفعول محذوف أي أثج الدم ثجا ، وعلى الأول إضافة الجري إلى نفسها للمبالغة على معنى أن النفس جعلت كأن كلها [ ص: 365 ] دم ثجاج ، وهذا أبلغ في المعنى ( سآمرك بأمرين أيهما فعلت ) : قال أبو البقاء في إعرابه إنه بالنصب لا غير والناصب له فعلت ( فإن قويت عليهما ) : أي على الأمرين بأن تقدري على أن تفعلي أيهما شئت ( فأنت أعلم ) : بما تختارينه منهما فاختاري أيهما شئت ( إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان ) : الركضة بفتح الراء وسكون الكاف : ضرب الأرض بالرجل حال العدو كما تركض الدابة وتصاب بالرجل ، أراد بها الإضرار والأذى ، يعني أن الشيطان قد وجد به طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها وصار في التقدير كأنه ركضة نالتها من ركضاته . قاله الخطابي .

                                                                      ( فتحيضي ) : يقال تحيضت المرأة أي قعدت أيام حيضها عن الصلاة والصوم أي اجعلي نفسك حائضة وافعلي ما تفعل الحائض ( ستة أيام أو سبعة أيام ) : قال الخطابي : يشبه أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير وجه التحديد من الستة والسبعة لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل بيتها ، فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستا قعدت ستا وإن سبعا فسبعا . وفيه وجه آخر ، وذلك أنه قد يحتمل أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة إلا أنها قد نسيتها فلا تدري أيتهما كانت ، فأمرها أن تتحرى وتجتهد وتبني أمرها على ما تيقنته من أحد العددين . ومن ذهب إلى هذا استدل بقوله في علم الله أي فيما علم الله من أمرك ستة أو سبعة انتهى ( في علم الله تعالى ) : قال ابن رسلان : أي في علم الله من أمرك من الست أو السبع ، أي هذا شيء [ ص: 366 ] ، بينك وبين الله فإنه يعلم ما تفعلين من الإتيان بما أمرتك به أو تركه ، وقيل في علم الله : أي حكم الله تعالى ، أي بما أمرتك فهو حكم الله تعالى ، وقيل في علم الله : أي أعلمك الله من عادة النساء من الست أو السبع ( واستنقأت ) : أي بالغت في التنقية . قال السيوطي قال أبو البقاء . كذا وقع في هذه الرواية بالألف ، والصواب استنقيت لأنه من نقي الشيء ، وأنقيته إذا نظفته ولا وجه فيه للألف ولا للهمزة انتهى . وقال في المغرب : الهمزة فيه خطأ . وقال بعض العلماء : النسخ كلها بالهمزة مضبوطة ففي تخطئة الهمزة تخطئة للحفاظ الضابطين مع إمكان حمله على الشذوذ ( فصلي ثلاثا وعشرين ليلة ) : إن كانت أيام الحيض سبعا ( أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها ) : إن كانت أيام حيضها ستا ( وصومي ) : ما شئت من تطوع وفريضة ( فإن ذلك يجزئك ) : من الإجزاء أي يكفيك ، فهذا أول الأمرين المأمور بهما ، والأمر الثاني أنها بمرور الستة أو السبعة تغتسل للجمع بين صلاتي الظهر والعصر غسلا واحدا ، وصلاتي المغرب والعشاء غسلا واحدا ، ولصلاة الصبح غسلا على حدة ( إن قدرت على ذلك ) : أي على الجمع بين الصلاتين مع ثلاث غسلات في اليوم والليلة وجزاؤه محذوف أي فافعلي ( وهذا ) : أي الأمر الثاني ( أعجب الأمرين إلي ) : [ ص: 367 ] أي أحبهما إلي لكونه أشقهما ، والأجر على قدر المشقة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يحب ما فيه أجر عظيم ( وذكره عن يحيى بن معين ) : أي ذكر أبو داود هذا الكلام أي كونه رافضيا عن يحيى بن معين . ( قال أبو داود : سمعت أحمد يقول : حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء ) : ونقل عن الإمام أحمد خلاف ذلك . قال الترمذي : حديث حمنة حسن صحيح وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن وهكذا قال أحمد بن حنبل : هو حديث حسن صحيح انتهى . وكذا نقل البيهقي في المعرفة تصحيحه عن أحمد فالجواب عن قول أبي داود بأن الترمذي قد نقل عن أحمد تصحيحه نصا ، وهو أولى مما ذكره أبو داود ، لأنه لم ينقل التعيين عن أحمد ، وإنما هو شيء وقع له ففسر به كلام أحمد ، وعلى فرض أنه من كلام أحمد ، فيمكن أن يكون قد كان في نفسه من الحديث شيء ، ثم ظهر له صحته والله أعلم

                                                                      [ ص: 368 ] . قال المنذري : قال الخطابي قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث ، لأن ابن عقيل راويه ليس كذلك . وقال أبو بكر البيهقي : تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به ، هذا آخر كلامه . وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وقال أيضا : سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن . وهكذا قال أحمد بن حنبل : هو حديث حسن صحيح . وعمرو بن ثابت هذا هو أبو ثابت ويعرف بابن أبي المقدام كوفي لا يحتج بحديثه . انتهى . وأطال الكلام أخونا العلامة في غاية المقصود تحت حديث حمنة وقال في آخره : ومحصل الكلام أن المستحاضة المعتادة سواء كانت مميزة أو غير مميزة ترد على عادتها المعروفة لحديث عائشة وفيه امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك رواه مسلم والمبتدئة المميزة تعمل بالتمييز لحديث إذ كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف وغير ذلك ما انضم به والتي تفقدت العادة والتمييز فإنها تحيض ستا أو سبعا على غالب عادة النساء لحديث حمنة . وهذا الجمع بين هذه الأحاديث هو جمع حسن جيد لا مزيد على حسنه . انتهى ملخصا .




                                                                      الخدمات العلمية