الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومنها ) منافع الأرض الخراجية فيجوز نقلها بغير عوض إلى من يقوم [ ص: 200 ] مقامه فيها وينتقل إلى الوارث ويقوم مقام موروثه فيها .

وكذلك يجوز جعلها مهرا نص عليه في رواية عبد الله ونص في رواية ابن هانئ وغيره على جواز دفعها إلى الزوجة عوضا عما تستحقه عليه من المهر وهذا معاوضة عن منافعها المملوكة فأما البيع فكرهه أحمد ونهى عنه واختلف قوله في بيع العمارة التي فيها لئلا يتخذ طريقا إلى بيع رقبة الأرض التي تملك بل هي إما وقف وإما للمسلمين جميعا ونص في رواية المروذي على أنه يبيع آلات عمارته بما يساوي وكره أن يبيع بأكثر من ذلك لهذا المعنى وكذلك نقل عنه ابن هانئ أنه قال يقوم دكانه ما فيه من غلق وكل شيء يحدثه فيه فيعطى ذلك ولا أرى أن يبيع سكنى دار ولا دكان ورخص في رواية عنه في شرائها دون بيعها ; لأن شراءها استنقاذ لها بعوض ممن يتعدى الصرف فيها وهو جائز ورخص في رواية المروذي أيضا في بيع ما يحتاج إليه للنفقة منها فإن كان فيه فضل عن النفقة تصدق به وكل هذا بناء على أن رقبة هذه الأرض وقفها عمر رضي الله عنه ومن الأصحاب من حكى رواية أخرى بجواز البيع مطلقا كالحلواني وابنه وكذلك خرجها ابن عقيل من نص أحمد على صحة وقفها ولو كانت وقفا لم يصح وقفها وكذلك وقع في كلام أبي بكر وابن شاقلا وابن أبي موسى ما يقتضي الجواز وله مأخذان :

أحدهما : أن الأرض ليست وقفا وهو مأخذ ابن عقيل وعلى هذا فإن كانت مقسومة فلا إشكال في ملكها وإن كانت فيئا لبيت المال وأكثر كلام أحمد يدل عليه فهل تصير وقفا بنفس الانتقال إلى بيت المال أم لا ؟ على وجهين . فإن قلنا لا تصير وقفا فللإمام بيعها وصرف ثمنها إلى المصالح . وهل له إقطاعها إقطاع تمليك على وجهين ذكر ذلك القاضي في الأحكام السلطانية .

والمأخذ الثاني : أن البيع هنا وارد على المنافع دون الرقبة فهو نقل للمنافع المستحقة بعوض وهذا اختيار الشيخ تقي الدين ويدل عليه من كلام أحمد أنه أجاز دفعها عوضا عن المهر ويشهد له ما تقدم من المعاوضة عن المنافع في مسائل متعددة وإن كان القاضي وابن عقيل والأكثرون صرحوا بعدم صحة بيع المنافع المجردة والتحقيق في ذلك أن المنافع نوعان :

أحدهما : منافع الأعيان المملوكة التي تقبل المعاوضة مع أعيانها فهذه قد جوز الأصحاب بيعها في مواضع ( منها ) أن أصل وضع الخراج على العنوة إذا قيل هي فيء فإنه ليس بأجرة بل هو شبيه بها ومتردد بينها وبين البيع .

( ومنها ) المصالحة بعوض على وضع الأخشاب وفتح الأبواب ومرور المياه ونحوها وليس بإجارة محضة لعدم تقديره المدة وهو شبيه بالبيع .

( ومنها ) لو أعتق عبده واستثنى خدمته سنة فهل له أن يبيعها منه على روايتين ذكرهما ابن أبي موسى وهما منصوصتان عن أحمد ولا يقال هو لا يملك بيع العبد في هذه الحال ; لأن هذه المنافع كانت بملك المعاوضة عنها في حال الرق وقد استبقاها بعد زواله فاستمر حكم المعاوضة عليها كما يستمر حكم [ ص: 201 ] وطء المكاتبة إذا استثناه في عقد الكتابة وهل الكتابة إلا عقد معاوضة على المنافع .

النوع الثاني : المنافع التي ملكت مجردة عن الأعيان أو كانت أعيانها غير قابلة للمعاوضة فهذا محل الخلاف الذي نتكلم فيه ههنا والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية