الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2590 حدثنا عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل عن ابن عون عن إبراهيم عن الأسود قال ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان وصيا فقالت متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت حجري فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري فما شعرت أنه قد مات فمتى أوصى إليه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا عمرو بن زرارة ) هو النيسابوري ، وهو بفتح العين وزرارة بضم الزاي ، وأما عمر بن زرارة بضم العين فهو بغدادي ولم يخرج عنه البخاري شيئا . ووقع في رواية أبي علي بن السكن بدل " عمرو بن زرارة " في هذا الحديث " إسماعيل بن زرارة " يعني الرقي ، قال أبو علي الجياني : لم أر ذلك لغيره ، قال : وقد ذكر الدارقطني وأبو عبد الله بن منده في شيوخ البخاري إسماعيل بن زرارة الثغري ولم يذكره الكلاباذي ولا الحاكم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخبرنا إسماعيل ) هو المعروف بابن علية ، وإبراهيم هو النخعي ، والأسود هو ابن يزيد خاله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذكروا عند عائشة أن عليا رضي الله عنهما كان وصيا ) قال القرطبي : كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى بالخلافة لعلي ، فرد عليهم جماعة من الصحابة ذلك ، وكذا من بعدهم ، فمن ذلك ما استدلت به عائشة كما سيأتي ، ومن ذلك أن عليا لم يدع ذلك لنفسه ، ولا بعد أن ولي الخلافة ، ولا ذكره أحد من الصحابة يوم السقيفة . وهؤلاء [1] تنقصوا عليا من حيث قصدوا تعظيمه ، لأنهم نسبوه - مع شجاعته العظمى وصلابته في الدين - إلى المداهنة والتقية والإعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        وقال غيره : الذي يظهر أنهم ذكروا عندها أنه أوصى له بالخلافة في مرض موته فلذلك ساغ لها إنكار ذلك ، واستندت إلى ملازمتها له في مرض موته إلى أن مات في حجرها ولم يقع منه شيء من ذلك . فساغ لها نفي ذلك ، لكونه منحصرا في مجالس معينة لم تغب عن شيء منها . وقد أخرج أحمد وابن ماجه بسند قوي وصححه من رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس في أثناء حديث فيه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه أبا بكر أن يصلي بالناس ، قال في آخر الحديث : " مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يوص " وسيأتي في الوفاة النبوية عن عمر " مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يستخلف " وأخرج أحمد والبيهقي في " الدلائل " من طريق الأسود بن قيس عن عمرو بن أبي سفيان عن علي أنه لما ظهر يوم الجمل قال : " يا أيها الناس ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        وأما الوصايا بغير الخلافة فوردت في عدة أحاديث يجتمع منها أشياء : منها حديث أخرجه أحمد وهناد بن السري في " الزهد " [ ص: 427 ] وابن سعد في " الطبقات " وابن خزيمة كلهم من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في وجعه الذي مات فيه : ما فعلت الذهبية ؟ قلت : عندي . فقال : أنفقيها الحديث . وأخرج ابن سعد من طريق أبي حازم عن أبي سلمة عن عائشة نحوه ، ومن وجه آخر عن أبي حازم عن سهل بن سعد وزاد فيه " ابعثي بها إلى علي بن أبي طالب ليتصدق بها " وفي " المغازي لابن إسحاق " رواية يونس بن بكير عنه حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لم يوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته إلا بثلاث : لكل من الداريين والرهاويين والأشعريين بحاد [2] مائة وسق من خيبر ، وأن لا يترك في جزيرة العرب دينان ، وأن ينفذ بعث أسامة وأخرج مسلم في حديث ابن عباس وأوصى بثلاث : أن تجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم الحديث ، وفي حديث ابن أبي أوفى الذي قبل هذا " أوصى بكتاب الله " وفي حديث أنس عنه عند النسائي وأحمد وابن سعد واللفظ له كانت عامة وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجه وآخر من رواية نعيم بن يزيد عن علي " وأدوا الزكاة بعد الصلاة " أخرجه أحمد ، ولحديث أنس شاهد آخر من حديث أم سلمة عند النسائي بسند جيد ، وأخرج سيف بن عمر في " الفتوح " من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حذر من الفتن في مرض موته ، ولزوم الجماعة والطاعة " وأخرج الواقدي من مرسل العلاء بن عبد الرحمن أنه أوصى فاطمة فقال : " قولي إذا مت : إنا لله وإنا إليه راجعون " وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث عبد الرحمن بن عوف قالوا : يا رسول الله أوصنا - يعني في مرض موته - فقال : أوصيكم بالسابقين الأولين من المهاجرين وأبنائهم من بعدهم وقال : لا يروى عن عبد الرحمن إلا بهذا الإسناد ، تفرد به عتيق بن يعقوب انتهى ، وفيه من لا يعرف حاله .

                                                                                                                                                                                                        وفي سنن ابن ماجه من حديث علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أنا مت فغسلوني بسبع قرب من بئر غرس وكانت بقباء وكان يشرب منها وسيأتي ضبطها وزيادة في حالها في الوفاة النبوية . وفي مسند البزار ومستدرك الحاكم بسند ضعيف " أنه - صلى الله عليه وسلم - أوصى أن يصلوا عليه أرسالا بغير إمام " ومن أكاذيب الرافضة ما رواه كثير بن يحيى وهو من كبارهم عن أبي عوانة عن الأجلح عن زيد بن علي بن الحسين قال : " لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - فذكر قصة طويلة فيها - فدخل علي فقامت عائشة " فأكب عليه فأخبره بألف باب مما يكون قبل يوم القيامة ، يفتح كل باب منها ألف باب " وهذا مرسل أو معضل ، وله طريق أخرى موصولة عند ابن عدي في كتاب الضعفاء من حديث عبد الله بن عمر بسند واه . وقولها : " انخنث " بالنون والخاء المعجمة ثم نون مثلثة أي انثنى ومال ، وسيأتي بقية ما يتعلق بشرحه في باب الوفاة من آخر المغازي إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية