الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فوائد الأولى ) في بيان أمور يغلط فيها المؤذنون منها : مد الباء من " أكبر " فيصير جمع كبر بفتح الباء ، وهو الطبل فيخرج إلى معنى الكفر ، ومنها : المد في أول " أشهد " فيخرج إلى حيز الاستفهام والمراد أن يكون خبرا إنشائيا ، وكذلك يصنعون في أول الجلالة ، ومنها الوقف على " لا إله " وهو كفر وتعطيل ، قال القرافي وقد شاهدت مؤذن الإسكندرية يمد إلى أن يفرغ نفسه هناك ، ثم يبتدئ " إلا الله " ، ومنها : أن بعضهم لا يدغم تنوين محمدا في الراء بعدها ، وهو لحن خفي عند القراء ، ومنها : أن بعضهم لا ينطق بالهاء من الصلاة في قوله : " حي على الصلاة " ولا بالحاء من " حي على الفلاح " فيخرج إلى الدعاء إلى " صلا النار " في الأول وإلى " الفلا " في الثاني والفلا : جمع فلاة ، وهي المفازة نبه على هذه المواضع القرافي والمصنف في التوضيح وابن فرحون وزاد الشيخ زروق في شرح الرسالة : مد همزة " أكبر " وتسكينها ، وفتح النون من " أن لا إله إلا الله " ، والمد على هاء " إله " وتسكينها أو تنوينها ، وهو أفحش ، والإتيان بهاء زائدة بعد الهاء من " إله " وضم " محمدا " ، ومد " حي " أو تخفيفها ، وإبدال همزة " أكبر " واوا ، وقد استخفوه في الإحرام فيكون هناك أحرى انتهى . مختصرا .

                                                                                                                            ( قلت ) ويبقى شيء لم أر من نبه عليه ، وهو : إشباع مد ألف الجلالة التي بين اللام والهاء فإنه ليس ثم سبب لفظي يقتضي إشباع مدها في الوصل أما إذا وقف عليها كما في آخر الأذان ، والإقامة ، فالمد حينئذ جائز لالتقاء الساكنين ، نعم ذكر ابن الجزري في النشر في باب المد والقصر : أن العرب تمد عند الدعاء والاستغاثة ، وعند المبالغة في نفي الشيء ، ويمدون ما لا أصل له بهذه العلة انتهى . ثم رأيت في كتاب المواقيت ما نصه : " وقصر الألف الثاني من اسم الله غير جائز إلا في الشعر ، والإسراف في مده مكروه لخروجه عن حد المد انتهى .

                                                                                                                            ( الثانية ) : قال في الذخيرة : اختلف العلماء في " أكبر " هل معناه كبير لاستحالة الشركة بين الله تعالى وغيره في الكبرياء ، وصيغة أفعل إنما تكون مع الشركة أو معناه : أكبر من كل شيء ; لأن الملوك وغيرهم في العادة يوصفون [ ص: 439 ] بالكبرياء فحسنت صيغة أفعل بناء على العادة انتهى . ومعنى " أشهد " أتيقن وأعلم ، " والإله " المعبود ، قال في الذخيرة : وليس المراد نفي المعبود كيف كان ، لوجود المعبودين في الوجود كالكواكب والأصنام ، بل ثم صفة مضمرة تقديرها " لا معبود مستحق للعبادة إلا الله " ، ومن لم يضمر هذه الصفة لزمه أن يكون تشهده كذبا ، " وحي " اسم فعل بمعنى : أقبل يقال بلفظ واحد للواحد والجمع تقول العرب : حي على الثريد ، أي : أقبل ، ويقال : هلا على الثريد بمعناه ، ويجمع بينهما فيقال : " حي هلا " بالتنوين وبغير تنوين بتسكين اللام ، وبتحريكها بالفتح مع الألف ، ويعدى بعلى كما في الأذان ، وبإلى وبالباء ، قاله في الذخيرة قال : ومنه الحديث { إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر } ، " والفلاح " في اللغة : الخير الكثير ، أفلح الرجل : إذا أصاب خيرا انتهى . وقال الجزولي : الفلاح البقاء في الجنة الزناتي : الفلاح بالفوز بالمنى بعد النجاة مما يتقى انتهى . ولا بد من مضاف أي على سبب الفوز أو سبب البقاء في الجنة أو سبب الخير الكثير ، وظاهر كلام القرافي أن الأثر المذكور حديث وإنما وقفت عليه من قول ابن مسعود كما ذكره القاضي عياض في شرح مسلم في كتاب الأذان ، والقرطبي ، وابن الأثير في النهاية والحريري في المقامة التاسعة ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثالثة ) قال القرطبي في شرح مسلم وغيره : الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة ; لأنه بدأ بالأكبرية ، وهي وجود الله تعالى ، ووجوبه وكماله ثم ثنى بالتوحيد ، ونفي التشريك ، ثم ثلث بإثبات الرسالة ، ثم دعا من أراد من لطاعته ، ثم ضمن ذلك بالفلاح ، وهو البقاء الدائم فأشعر بأن ثم جزاء ، ففيه إشارة إلى المعاد ، ثم أعاد ما أعاد توكيدا ، ونقله ابن حجر في فتح الباري وأصله للقاضي عياض في الإكمال والله أعلم .

                                                                                                                            ( الرابعة ) قال في المدونة : وإن شاء جعل أصبعيه في أذنيه في أذانه وإقامته ، وإن شاء ترك ، قال ابن ناجي : ما ذكره من أن له جعل أصبعيه في أذنيه في أذانه لمالك والأمهات ، وألحق به ابن القاسم الإقامة ، وقيل : إنه مستحب للمؤذن ، قاله أبو محمد عن ابن حبيب انتهى . وإذا استحب في الأذان استحب في الإقامة كما قاس ابن القاسم جوازه فيها على جوازه في الأذان ، قال في الطراز : وهو صحيح فإن الإقامة أحد الأذانين ، فإذا جاز ذلك في الأذان جاز في الإقامة ; لأنه لا يخل بموضعها كما لا يخل بموضعه انتهى . ولأنه أبلغ في الإسماع وما حكاهابن ناجي عن ابن حبيب حكاه في النوادر ولم يحك صاحب الطراز استحبابه إلا عن الشافعي ، ثم قال : وما قاله مالك أرجح ، فإن ذلك لو كان من المستحسن لاستمر العمل به في مسجد الرسول انتهى . ونقل قبل ذلك عن ابن القاسم أنه قال : ورأيت المؤذنين بالمدينة لا يجعلون أصابعهم في آذانهم ، وقال في التوضيح عن ابن القاسم : إنه قال ورأيت المؤذنين بالمدينة يفعلونه وتبعه ابن فرحون وكأنه سقط منه " لا " ، والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية