الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 283 ] فصل ( في حكم ما يأتي المرء الصلات والهبات من أخذ ورد ) .

وما جاءه من مال بلا إشراف نفس ولا مسألة وجب أخذه نقله جماعة منهم الأثرم والمروذي قال في رواية الأثرم { إذا جاءه من غير مسألة ولا إشراف كان عليه أن يأخذه لقول النبي صلى الله عليه وسلم خذ } ثم ذكر الحديث ثم قال ينبغي له أن يأخذه ويضيق عليه إذا لم يكن له أشراف أن يرده .

وقال محمد بن يحيى الكحال للإمام أحمد الرجل يأتيه الشيء من غير مسألة ولا استشراف أيما أفضل يأخذه أو يرده قال إذا لم يكن استشراف أخاف أن يضيق عليه رده وكذا نقل المروذي ومحمد بن حبيب ويوسف بن موسى ونقل عنه ابن مشيش أخاف إذا جاءه فجأة فرده أن يحرج .

وقطع به في المستوعب ، واختار ابن حمدان أنه يستحب ورأيت بخط القاضي تقي الدين الزرباني البغدادي الحنبلي رحمه الله أن الإمام أحمد نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم ، والذي وجدت إسحاق نقله عنه أنه قال لا بأس إذا كان من غير استشراف أن يرد أو يأخذ هو بالخيار ، وهذه رواية بإباحة الأخذ وهو الذي ترجم الخلال أن القبول مباح من غير استشراف .

وأمر أحمد في رواية بشر بن موسى بالأخذ وقال للسائل أرجو أن يطلب لك وذكر ابن الجوزي أنه لا يأخذه إلا مع حاجته إليه وإذا سلم من الشبهة والآفات فإن الأفضل آخذه ، ونقل المروذي أن أحمد جاءته هدية أثواب من خراسان فلما كان من الغد قال للمروذي اذهب رده قال فقلت له أي شيء تكون الحجة في رده ؟ أو كيف يجوز أن يرد مثل هذا قال ليس أعلم فيه شيئا إلا أن الرجل إذا تعود لم يصبر عنه ، واتجر محمد بن سليمان السرخسي [ ص: 284 ] بدراهم جعل ربحها لأحمد فربحت عشرة آلاف فذكر ذلك لأحمد .

فقال : جزاه الله خيرا لكنا في كفاية فرد عليه ، فقال دعنا نكون أعزة وأبى أن يأخذها .

وذكر القاضي أبو الحسين في كراهة الرد روايتين وعلل رواية عدم الكراهة بكلام أحمد في رواية المروذي وكان سفيان بن عيينة يقول لأصحاب الحديث : أعلمتم أني كنت قد أوتيت فهم القرآن فلما قبلت من أبي جعفر يعني من يحيى بن خالد البرمكي سلبته وكان سفيان يقول : اللهم إنه كفاني أمر دنياي فاكفه أمر آخرته ، فرئي البرمكي في النوم بعد موته فقال ما نفعني شيء ما نفعتني دعوة سفيان أو نحو ذلك .

فإن استشرفت نفسه إليه فنقل عنه عبد الله لا بأس أن يردها وكذا نقل الكحال عنه إن شاء رده وكذا نقل محمد بن يوسف له أن يردها ، ونقل المروذي فإن استشرفت نفسه ردها .

وقال له الأثرم : فليس عليه أن يرده كما يرد المسألة قال ليس عليه ، ونقل عنه أبو داود ولا بأس أن يردها قال أبو داود وكأنه اختار الرد ونقل عنه إسحاق بن إبراهيم لا يأخذه .

وذكر القاضي أبو الحسين أنه لا تختلف الرواية أنه لا يحرم ; لعدم المسألة وقال في الرعاية كره له أخذه ولم يحرم ، وقيل : له أخذه ورده أولى . وقد عرف من نصوص أحمد أنه هل يحرم أو يخير أو الرد أولى أو يكره الأخذ فيه روايات مع أن رواية إسحاق فيها النهي عن الأخذ وظاهر النهي التحريم واستشراف النفس أن تقول سيبعث لي فلان أو لعله يبعث لي وإن لم يتعرض أو يعرض بقلبك عسى أن يفعل نص عليه .

وذكر أحمد حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له { إذا أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف نفس فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك } فقال هذا إذا كان من مال طيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية