الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          (هل النبي - صلى الله عليه وسلم - فسر القرآن كله ؟ )

                                                          إن ابن تيمية العالم الفقيه يقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بين القرآن كله ، ولم يترك فيه جزءا يحتاج إلى بيان ولم يبينه ، ولا جزءا يحتاج إلى تفصيل ولم يفصله ، ولا مطلقا يحتاج إلى تقييد ولم يقيده ، ويحسب أن ذلك جزء يجب الإيمان به لقوله تعالى : وأنـزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نـزل إليهم

                                                          وقد تلقى الصحابة تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال عبد الرحمن السلمي : " حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن والعلم والعمل " . وإن الصحابة كانوا لا يستحفظون القرآن فقط ، بل كانوا يتعلمونه ويتعلمون معانيه ، ويقول في ذلك رضي الله عنه - أي ابن تيمية - : " من المعلوم أن كل المقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه ، فالعادة تقر ألا يقرأ قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ، ولا يستشرحوه ، فكيف بالكلام الذي هو عصمتهم ونجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم ؟ ولهذا كان النزاع في تفسير القرآن قليلا جدا .

                                                          ويتعين علينا إذن أن نقول إن تفسير الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هو تفسير الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا ما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قول يخالفه .

                                                          وإن الصحابة علموا تلاميذهم من التابعين ما تلقوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهم أهل صدق ، فابن عباس كان له تلاميذ تلقوا عنه كمجاهد ، وعكرمة ، ونافع وغيرهم ممن تلقوا عن ابن عباس ، ولكن ما ينسب إلى التابعين يجب تمحيصه ، فقد نفذت [ ص: 30 ] الإسرائيليات وما دسه النصارى إليهم كما أشرنا من قبل ، وعلى هذا يسن ابن تيمية أمثل المناهج في اعتماده .

                                                          فأعلى المراتب تفسير القرآن بالقرآن ، والقرآن كتاب متكامل ، ما يجمله في موضع يفسره في آخر ، وهكذا . وتلى هذه المرتبة تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد بينا ذلك بما يناسب المقام .

                                                          والمرتبة الثالثة تفسير القرآن بأقوال الصحابة ، وهم الذين تلقوا تفسيرهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : والله الذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناولته المطايا إلا أتيته .

                                                          المرتبة الرابعة مرتبة التابعين الذين تلقوا علم الصحابة كمجاهد وقتادة ، وقد يختلفون ، فيرى ابن تيمية أنه إذا اختلف التابعون اختار من أقوالهم ، ولا يخرج عنها . فإن التابعين قد دخلت في عهدهم الإسرائيليات ، ومعابث النصارى ، فيجب الأخذ عنهم باحتراس ويقظة ، وإذا اختلفوا نأخذ من أقوالهم ما ليس فيه دس على الإسلام لنصون كتاب الله تعالى عن تطاول المفسدين ، كما ذكرنا في قصة زينب بنت جحش المدسوسة على المفسرين .

                                                          وإنه يجب التنبيه إلى أن الواجب العلمي إبعاد الإسرائيليات عن تفسير القرآن ، وتنقية كتب التفسير منها ، وإذا قيل إن منها ما يوافق النصوص القرآنية ، ولا يخالفها ، نقول إن في القرآن غنى عنها ، والأكثر فيه تهويش على معاني القرآن ، وإثارة للأوهام الكاذبة .

                                                          * * *

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية