الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 314 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أحرم الولد بغير إذن الأبوين فإن كان في حج فرض - لم يكن لهما تحليله ، لأنه فرض ، فلم يجز إخراجه منه كالصوم والصلاة ، وإن كان في حج تطوع ففيه قولان ( أحدهما ) يجوز لهما تحليله . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أراد أن يجاهد وله أبوان : ( { ففيهما فجاهد } ) فمنع الجهاد لحقهما وهو فرض ، فدل على أن المنع من التطوع لحقهما أولى ( والثاني ) لا يجوز ، لأنه قربة لا مخالفة عليه فيها ، فلا يجوز لهما تحليله منها كالصوم ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظه ( وقوله ) لأنه قربة لا مخالفة عليه فيها احتراز من الجهاد .

                                      ( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : من كان له أبوان أو أحدهما استحب أن لا يحرم إلا بإذنهما أو إذن الحي منهما ، فإن أذنا له في حج فرض أو تطوع فأحرم لم يكن لهما تحليله ولا منعه بلا خلاف ، كما سبق في العبد والزوجة ، وإن منعاه الإحرام أو منعه أحدهما فإن كان في حج تطوع فلهما المنع على المذهب ، وبه قطع الجماهير في الطريقتين ، وحكى الرافعي وجها شاذا أنه ليس لهما منعه منه . وهذا ليس بشيء فإن أحرم بالتطوع فهل لهما تحليله ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) لهما ، ولكل واحد منهما تحليله . وأشار إليه الشافعي في الإملاء وممن نص على تصحيحه القاضي حسين في تعليقه والجرجاني في التحرير وغيرهما ( والثاني ) ليس لهما تحليله ، نص عليه في الأم وصححه الفارقي والصحيح الأول . أما إذا أراد حج فرض الإسلام أو قضاء نذر ، فليس لهما منعه ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجماهير في الطريقتين . وحكى صاحب العدة والروياني والرافعي فيه وجها شاذا أن لهما منعه من الفرض كالتطوع وليس بشيء ، فإن أحرم به فليس لهما تحليله منه على المذهب ، وبه قطع الجمهور . [ ص: 315 ] وحكى القاضي حسين والروياني والرافعي وغيرهم فيه طريقا آخر أنه على قولين كالزوجة وليس بشيء ، والله أعلم .

                                      وإذا أحرم بالتطوع وأراد الأبوان تحليله كان لهما ذلك على الأصح كما ذكرنا فلو أراده أحدهما فهو كما لو أراداه . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وقال الماوردي : إن أراد الأب تحليله فله ذلك على قولنا لهما تحليله . وإن أرادته الأم فلا ، وحكاه الروياني عن الماوردي ثم قال : وهذا مشكل ، وهو كما قال الروياني فالصحيح أن الأم كالأب في هذا ، والله أعلم .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا ، حيث جوزنا لهما تحليله فهو كتحليل الزوجة فيؤمر الولد بأن يتحلل بما يتحلل به المحصر من النية والذبح والحلق ، وقد سبق بيانه واضحا .



                                      ( فرع ) تحليل الولد من العمرة ومنعه منها كالحج في كل ما ذكرناه باتفاق الأصحاب .



                                      ( فرع ) إذا أراد الولد السفر لطلب العلم فقد جزم المصنف في أول كتاب السير بأنه يجوز بغير إذن الأبوين ، قال : وكذلك سفر التجارة لأن الغالب فيها السلامة . وبسط البغوي المسألة هنا فقال : إن أراد الولد الخروج لطلب العلم بغير إذن الأبوين - نظر إن كان هناك من يتعلم منه - لم يجز ولهما منعه ، وإن لم يكن نظر ، فإن أراد تعلم ما هو فرض عين لم يكن لهما منعه . وفي فرض الكفاية وجهان ( أصحهما ) لا يجوز لهما منعه لأنه فرض عليه ما لم يبلغ واحد هناك درجة الفتوى ، حتى لو كبر المفتي وشاخ جاز لشاب أن يخرج لطلب العلم إن لم يمكنه التعلم من الشيخ . قال : ولو [ ص: 316 ] خرج واحد للتعلم هل لآخر أن يخرج بغير إذن الأبوين ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) لا ، لأنه قام به غيره كالجهاد ( والثاني ) نعم ، لأن قصد إقامة الدين لا خوف فيه ، هذا كلام البغوي .



                                      ( فرع ) قال أصحابنا : من عليه دين حال وهو موسر ، يجوز لمستحق الدين منعه من الخروج إلى الحج وحبسه ، ما لم يؤد الدين ، فإن كان أحرم فليس له التحلل كما سبق ، بل عليه قضاء الدين والمضي في الحج . وإن كان معسرا فلا مطالبة ولا منع ، وإن كان مؤجلا فلا منع ولا مطالبة ، لكن يستحب أن لا يخرج حتى يوكل من يقضي الدين عند حلوله .

                                      ( فرع ) حيث جوزنا تحليل الزوجة والولد فتحللا ، فلهما حكم المتحلل بحصر خاص ، فإن كان حج تطوع لم يجب قضاؤه على أصح القولين ، وإن كان فرضا ففيه التفصيل السابق في حكم الحاج المحصر .



                                      ( فرع ) قال إمام الحرمين وغيره : قول الأصحاب للسيد تحليل العبد ، وللزوج تحليل الزوجة وللوالد تحليل الولد . هذا كله مجاز ، ولا يصح التحليل من هؤلاء المذكورين ، بل معناه أنهم يأمرون العبد والزوجة والولد بالتحلل ، فيتحلل المأمور بالنية مع الذبح والحلق على تفصيله السابق ، وهذا واضح لا شك فيه والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية