الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 163 ] قال وكذا الخلاف إذا ( استقرض طعاما بالعراق فآخذه صاحب القرض بمكة فعليه قيمته بالعراق يوم اقتراضه عند الثاني وعند الثالث يوم اختصما وليس عليه أن يرجع ) معه ( إلى العراق فيأخذ طعامه ولو استقرض الطعام ببلد الطعام فيه رخيص فلقيه المقرض في بلد الطعام فيه غال فأخذه الطالب بحقه فليس له حبس المطلوب ويؤمر المطلوب بأن يوثق له )

بكفيل ( حتى يعطيه طعامه في البلد الذي أخذه منه استقرض شيئا من الفواكه كيلا أو وزنا فلم يقبضه حتى انقطع فإنه يجبر صاحب القرض على تأخيره إلى مجيء الحديث إلا أن يتراضيا على القيمة ) لعدم وجوده بخلاف الفلوس إذا كسدت وتمامه في صرف الخانية

[ ص: 164 ] ( ويملك ) المستقرض ( القرض بنفس القبض عندهما ) أي الإمام ومحمد خلافا للثاني فله رد المثل ولو قائما خلافا له بناء على انعقاده بلفظ القرض وفيه تصحيحان وينبغي اعتماد الانعقاد لإفادته الملك للحال بحر .

التالي السابق


( قوله فآخذه ) بمد الهمزة أي طلب أخذه منه ( قوله بالعراق يوم اقترضه ) متعلقان بقوله قيمته ، والثاني يغني عن الأول ( قوله وعند الثالث يوم اختصما ) وعبارة الخانية : قيمته بالعراق يوم اختصما فأفاد أن الواجب قيمته يوم الاختصام التي في بلد القرض فكان المناسب ذكر قوله بالعراق هنا وإسقاطه من الأول كما فعله في الذخيرة ( قوله فيأخذ طعامه ) أي مثله في بلد القرض ( قوله ولو استقرض الطعام إلخ ) هذه هي المسألة الأولى وهي ما لو ذهب إلى بلدة غير بلدة القرض وقيمة البلدتين مختلفة لأن العادة أن الطعام في مكة أغلى منه في العراق ، وهذه رواية أخرى وهي قول الإمام كما صرح به في الذخيرة ، فإنه ذكر أولا ما مر من حكاية القولين .

ثم قال ما نصه : بشر عن أبي يوسف رجل أقرض رجلا طعاما أو غصبه إياه وله حمل ومؤنة والتقيا في بلدة أخرى الطعام فيها أغلى أو أرخص ، فإن أبا حنيفة قال : يستوثق له من المطلوب حتى يوفيه طعامه حيث غصب أو حيث أقرضه ، وقال أبو يوسف : إن تراضيا على هذا فحسن وأيهما طلب القيمة أجبر الآخر عليه : وهي القيمة في بلد الغصب أو الاستقراض والقول في ذلك قول المطلوب ولو كان الغصب قائما بعينه أجبر على أخذه لا على القيمة ا هـ وفيها أيضا وذكر القدوري في شرحه إذا استقرض دراهم بخارية والتقيا في بلدة لا يقدر فيها على البخارية فإن كان ينفق في ذلك البلد ، فإن شاء صاحب الحق أجله قدر المسافة ذاهبا وجائيا واستوثق منه ، وإن كان البلد لا ينفق فيها وجب القيمة ا هـ .

وقدمنا أول البيوع أن الدراهم البخارية فلوس على صفة مخصوصة ، فلذا أوجب القيمة إذا كانت لا تنفق في ذلك البلد لبطلان الثمنية بالكساد ، كما قدمناه وبهذا ظهر أنه لو كانت الدراهم فضتها خالصة أو غالبة كريال الفرنجي في زماننا فالواجب رد مثلها ، وإن كانا في بلدة أخرى ، لأن ثمنية الفضة لا تبطل بالكساد ، ولا بالرخص أو الغلاء ويدل عليه ما قدمناه عن كافي الحاكم من أنه لا ينظر إلى غلاء الدراهم ، ولا إلى رخصها هذا ما ظهر لي فتأمل وانظر ما كتبناه أول البيوع ( قوله استقرض شيئا من الفواكه إلخ ) المراد ما هو كيلي أو وزني إذا استقرضه ثم انقطع عن أيدي الناس قبل أن يقبضه إلى المقرض ، فعند أبي حنيفة يجبر المقرض على التأخير إلى إدراك [ ص: 164 ] الجديد ليصل إلى عين حقه ، لأن الانقطاع بمنزلة الهلاك ، ومن مذهبه أن الحق لا ينقطع عن العين بالهلاك ، وقال أبو يوسف : هذا لا يشبه كساد الفلوس ، لأن هذا مما يوجد ، فيجبر المقرض على التأخير إلا أن يتراضيا على القيمة ، وهذا في الوجه كما لو التقيا في بلد الطعام فيه غالب فليس له حبسه ويوثق له بكفيل حتى يعطيه إياه في بلده ، ذخيرة ملخصا .

( قوله بنفس القبض ) أي قبل أن يستهلكه ( قوله خلافا للثاني ) حيث قال لا يملك المستقرض القرض ما دام قائما كما في المنح آخر الفصل ا هـ ح ( قوله فله رد المثل ) أي لو استقرض كر بر مثلا وقبضه فله حبسه ورد مثله ، وإن طلب المقرض رد العين ، لأنه خرج عن ملك المقرض ، وثبت له في ذمة المستقرض مثله لا عينه ولو قائما ( قوله بناء على انعقاده إلخ ) هكذا نقل هذه العبارة هنا في المنح عن البحر ، ونقل أيضا عن الزيلعي : أنهم اختلفوا في انعقاده بلفظ القرض ، قيل ينعقد ، وقيل لا ، وقيل الأول قياس قولهما والثاني قياس قوله ا هـ .

قلت : والعبارتان غير مذكورتين في هذا الفصل من البحر ، وشرح الزيلعي وإنما ذكرهما في كتاب النكاح عند قول الكنز وينعقد بكل ما وضع لتمليك العين في الحال فالضمير في انعقاده في عبارة البحر المذكورة في الشرح ، وعبارة الزيلعي التي نقلناها عائدة على النكاح لا على القرض كما يوهمه كلام الشارح تبعا للمنح ، وهذا أمر عجيب . نعم لهذه المسألة مناسبة هنا وذلك أن ظاهر كلام المتن ترجيح قولهما ، فكان المناسب للشارح أن يقول : وعلى هذا ينبغي اعتماد انعقاد النكاح بلفظ القرض ، وهو أحد التصحيحين لإفادته الملك للحال فافهم .




الخدمات العلمية