الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              5344 [ 2914 ] وعن عائشة قالت لعروة : يا ابن أختي أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فسبوهم . وقد تقدم .

                                                                                              رواه مسلم (3022) .

                                                                                              [ ص: 406 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 406 ] (27) ومن سورة الحديد والحشر

                                                                                              (قوله : لم يكن بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين ) .

                                                                                              قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ، ومذاكرة الموجدة ، تقول : عاتبته معاتبة . قال الشاعر :


                                                                                              أعاتب ذا المودة من صديق إذا ما رابني منه اجتناب إذا ذهب العتاب فليس ود
                                                                                              ويبقى الود ما بقي العتاب

                                                                                              و (قوله : ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله [ الحديد : 16 ]) أي : ألم يحن ، قال الشاعر :


                                                                                              ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا

                                                                                              وماضيه : أنى يأني ، فأما " آن " الممدود فمضارعه يئين . وأنشد ابن السكيت :


                                                                                              ألما يأن لي أن تجلى عمايتي وأفصم عن ليلي بلى قد أنى ليا

                                                                                              فجمع بين اللغتين . وأن تخشع : أي تذل وتلين لذكر الله وتعظيمه . وقيل : [ ص: 407 ] معناه : تجزع من خشية الله ، وقيل : الذكر هنا : القرآن ، وفيه بعد ; لأن قوله : وما نـزل من الحق هو القرآن ، فيكون تكرارا .

                                                                                              و (قوله : فطال عليهم الأمد [ الحديد : 16 ]) أي : رأوا الموت بعيدا ، يعني أنهم لطول أملهم لا يرون الموت يقع بهم ، فقست قلوبهم ; أي : جفيت وغلظت ، فلم يفهموا دلالة ولا صدقوا رسالة . وكثير منهم فاسقون ; أي : خارجون عن مقتضى العقل من التوحيد ، وعن مقتضى الرسالة من التصديق . وفائدة هذه الآية : أنه لما رسخ الإيمان في قلوبهم أرشدهم إلى الازدياد في أحوالهم ، والمراقبة في أعمالهم ، وحذرهم عن جفوة أهل الكتاب بأبلغ خطاب وألطف عتاب .

                                                                                              و (قول عائشة - رضي الله عنها - : أمروا أن يستغفروا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فسبوهم ) أشارت عائشة - رضي الله عنها - إلى قوله : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] فسبوهم : تريد عائشة بهذا أن التابعين حقهم الواجب عليهم أن يحبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يعظموهم ويستغفروا لهم ، وكذلك كل من يجيء بعد التابعين إلى يوم القيامة ، ويحرم عليهم أن يسبوهم ، أو يسبوا أحدا منهم ، كما قد صرح بذلك بعض بني أمية ، وإياهم عنت بقولها ، ولقد أحسن مالك - رحمه الله - في فهم هذه الآية ، فقال : من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حق له في الفيء ، واستدل بالآية . ووجهه : أنه رأى هذه الآية معطوفة على قوله : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم [ الحشر : 9 ] وأن هذه الآية معطوفة على قوله : للفقراء المهاجرين [ الحشر : 8 ] [ ص: 408 ] فظهر له أن المهاجرين والأنصار استحقوا الفيء بأنهم مهاجرون وأنصار من غير قيد زائد على ذلك ، وأن من جاء بعدهم قيدوا بقيد : يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان [ الحشر : 10 ] فإن لم يوجد هذا القيد لم يجز الإعطاء لعدم تمام الموجب . وقد فهم عمر - رضي الله عنه - أن قوله : والذين جاءوا من بعدهم يعم كل من يأتي إلى يوم القيامة ، وأنها معطوفة على ما قبلها ، فوقف الأرض المغنومة المفتتحة في زمانه على من يأتي بعد إلى يوم القيامة ، وخصص بهذه الآية الأرض من جملة الغنيمة التي قال الله فيها : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [ الأنفال :41 ] وقد تقدم الكلام على هذا في الجهاد .




                                                                                              الخدمات العلمية