الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3685 3686 3687 3688 3689 ص: فإن قال قائل : وكيف يجوز أن ينقل هذا عن عمر - رضي الله عنه - وقد نهى عن المتعة ؟ وقد ذكرتم ذلك عنه في حديث مالك عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل وذكر في ذلك أيضا ما حدثنا يزيد بن سنان ، قال : ثنا مكي بن إبراهيم ، قال : ثنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال عمر - رضي الله عنه - : "متعتان كانتا على عهد رسول الله - عليه السلام - أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج" .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : ثنا داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب : " ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان ينهى عن متعة النساء ومتعة [ ص: 199 ] الحج" . . قالوا : فكيف يجوز أن يعاقب أحدا على أمر قد علم أن الله - عز وجل - قد أمر به رسوله - عليه السلام - ؟ قيل : ليست هذه المتعة التي في هذا الحديث هي المتعة التي استحبها أهل المقالة التي ذكرناها في الفصل الذي قبل هذا ، ولكن هذه المتعة عندنا - والله أعلم - هي الإحرام الذي كان أصحاب رسول الله - عليه السلام - أحرموه بحجة ثم طافوا لها وسعوا قبل عرفة وحلقوا وحلوا فتلك متعة قد كانت تفعل على عهد رسول الله - عليه السلام - ثم نسخت وسنذكرها وما روي فيها وفي نسخها في غير هذا الموضع في كتابنا هذا إن شاء الله .

                                                فهذه المتعة التي نهى عنها عمر - رضي الله عنه - وتواعد من فعلها بالعقوبة ، فأما متعة قد ذكرها الله - عز وجل - في كتابه بقوله : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي وفعلها رسول الله - عليه السلام - وأصحابه فمحال أن ينهى عنها عمر - رضي الله عنه - بل قد روينا عن عمر أنه استحبها وحض عليها .

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال : ثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت طاوسا يحدث عن ابن عباس قال : "يقولون : أن عمر نهى عن المتعة ؟ قال عمر - رضي الله عنه - : لو اعتمرت في عام مرتين ثم حججت لجعلتها مع حجتي" .

                                                حدثنا حسين بن نصر ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا سفيان ، عن سلمة ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : قال عمر - رضي الله عنه - . . . فذكر مثله .

                                                فهذا ابن عباس قد أنكر أن يكون عمر نهى عن التمتع وذكر عنه أنه استحب القران ، فدل ذلك أن المتعة التي تواعد عمر من فعلها بالعقوبة هي المتعة الأخرى .

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال : كيف يجوز أن يروى الحديث المذكور الذي رواه ابن عباس عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - عن النبي - عليه السلام - أن قيل له : "قل عمرة في حجة" والحال أن عمر - رضي الله عنه - قد نهى عن المتعة فكيف ينهى عن شيء ثم ينقل ذلك عن النبي - عليه السلام - .

                                                [ ص: 200 ] قوله : "قد ذكرتم ذلك عنه" أي قد ذكرتم نهى عن المتعة ، عن عمر - رضي الله عنه - من حديث مالك عن محمد بن مسلم الزهري وقد مضى ذكره في هذا الباب .

                                                قوله : "وذكر في ذلك أيضا" أي وذكر هذا القائل أيضا ما حدثنا يزيد بن سنان . . . إلى آخره .

                                                وإسناده صحيح ورجاله ثقات .

                                                وأخرجه مالك في "موطأه" .

                                                وقوله : "حدثنا علي بن شيبة " طريق آخر وهو أيضا صحيح وسيأتي الكلام فيه .

                                                قوله : "قالوا فكيف يجوز" أي قال القوم الذين ينكرون القران : كيف يجوز أن يعاقب عمر أحدا على إتيان أمر قد علم عمر أن الله - عز وجل - قد أمر به رسول الله - عليه السلام - وهذا محال في حقه ؟ " .

                                                وتقرير الجواب هو ما أشار إليه بقوله : "قيل له" أي لهذا القائل : ليست هذه المتعة التي في هذا الحديث الذي فيه النهي والوعيد بالعقاب هي المتعة التي ذكرها أهل المقالة الثانية وهي التي يفعلها المسلمون الآن والباقي ظاهر .

                                                وقال ابن حزم أما نهي عمر فإنه عن متعة النساء بلا شك لأنه عند الرجوع إلى القول بها في الحج وقال أبو عمر إنما نهى عمر عند أكثر العلماء عن فسخ الحج في العمرة هذه هي التي نهى عنها .

                                                قوله : "فمحال" مرفوع على أنه خبر مقدم والمبتدأ هو : قوله " أن ينهى عنها عمر " و "أن" مصدرية ، والتقدير : نهي عمر عنها محال .

                                                قوله : "أن استحبها" أي المتعة "وحض عليها" أي رغب الناس فيها وبين ذلك بقوله حدثنا سليمان إلى آخره .

                                                وأخرجه من طريقين صحيحين : [ ص: 201 ] الأول : عن سليمان بن شعيب الكيساني عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي عن شعبة عن سلمة بن كهيل . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه ابن حزم : من طريق شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن طاوس ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال عمر - رضي الله عنه - : "لو اعتمرت في سنتي مرتين ثم حججت لجعلت مع حجتي عمرة" .

                                                الثاني : عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل .

                                                وأخرجه ابن حزم أيضا : من طريق سفيان عن سلمة . . . إلى آخره .

                                                قوله : "هي المتعة الأخرى" يعني المتعة المنسوخة .




                                                الخدمات العلمية