الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن ذبحه أجنبي بغير إذنه أجزأه عن النذر ، لأن ذبحه لا يحتاج إلى قصده ، فإذا فعله بغير إذنه وقع الموقع ، كرد الوديعة وإزالة النجاسة ، ويجب على الذابح ضمان ما بين قيمته حيا ومذبوحا لأنه لو أتلفه ضمنه فإذا ذبحه ضمن نقصانه كشاة اللحم ، وفيما يؤخذ منه الأوجه الثلاثة ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال أصحابنا : إذا نذر هديا معينا فذبحه غيره بإذنه وقع موقعه ولا شيء على الذابح ، وإن ذبحه إنسان بغير إذنه وقع الموقع أيضا وأجزأ الناذر لما ذكره المصنف ، ويلزم الذابح أرش نقصه ، وهو ما بين قيمته حيا ومذبوحا لما ذكره المصنف ، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور . وحكى الخراسانيون قولا أنه لا يلزم الأجنبي أرش ، لأنه لم يفوت مقصودا بل خفف مؤنة الذبح . وحكوا قولا قديما أن لصاحب الهدي أن يجعله عن الذابح ويفرق القيمة بكمالها بناء على وقف العقود ، وهذان القولان شاذان ضعيفان ، فهذا مختصر ما يتعلق بشرح كلام المصنف . وقد فرع أصحابنا في المسألة تفريعا كثيرا ، وقد لخصه الرافعي وأنا أختصر مقصوده هنا إن شاء الله تعالى .

                                      قال : إذا ذبح أجنبي أضحية معينة ابتداء في وقت التضحية أو هديا معينا بعد بلوغ النسك فقولان ( الصحيح ) المشهور أنه يقع الموقع ، فيأخذ صاحب الأضحية لحمها فيفرقه ، لأنه [ ص: 342 ] مستحق الصرف إلى هذه الجهة ، فلا يشترط فعل صاحبه كرد الوديعة ( والثاني ) وهو قول قديم أن لصاحب الهدي والأضحية أن يجعله عن الذابح ويغرمه القيمة بكمالها ، بناء على وقف العقود ، وهذا القول ضعيف ، والمذهب الأول . فعلى المذهب هل يلزم الذابح أرش ما نقص بالذبح ، فيه طريقان ( أحدهما ) فيه قولان ، وقيل : وجهان ( أحدهما ) لا . لأنه لم يفوت مقصودا ، بل خفف مؤنة الذبح ( وأصحهما ) وهو المنصوص ، وهو الطريق الثاني ، وبه قطع الجمهور نعم ، لأن إراقة الدم مقصودة ، وقد فوتها فصار كما لو شد قوائم شاة ليذبحها ، فجاء آخر فذبحها بغير إذنه ، فإنه يلزمه أرش النقص . وقال الماوردي : عندي أنه إن ذبحه وفي الوقت سعة لزمه الأرش ، وإن ضاق الوقت فلم يبق إلا ما يسع ذبحها فذبحها فلا أرش لتعين الوقت . وإذا أوجبنا الأرش ففيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه للمهدي لأنه ليس من نفس الهدي ولا حق للمساكين في غيره ( والثاني ) أنه للمساكين ، لأنه بدل نقصه ، ليس للمهدي إلا الأكل ( والثالث ) وهو الصحيح وبه قطع الجمهور أنه يسلك به مسلك الهدي والأضحية ، فعلى هذا يشتري به شاة ، فإن تعذرت عاد الخلاف السابق قبل هذا الفصل في أنه يشتري به جزءا من هدي وأضحية أو لحم ، أو يفرق بنفسه دراهم . هذا كله إذا ذبح الأجنبي واللحم باق ، فإن أكله أو فرقه في مصارف الهدي وتعذر استرداده فهو كالإتلاف بغير ذبح وقد سبق بيانه قريبا لأن تعيين المصروف إليه إلى المهدي والمضحي ، فعلى هذا يلزم الذابح الضمان ويأخذ المهدي منه القيمة ويشتري بها هديا ويذبحه ، هذا هو المذهب ، وفي وجه ضعيف تقع التفرقة عن المهدي كالذبح . والصحيح الأول .

                                      [ ص: 343 ] وفي قدر الضمان الواجب قولان ( الصحيح المشهور ) واختيار الجمهور يضمن قيمته عند الذبح ، كما لو أتلفه بلا ذبح ( والثاني ) يضمن أكثر الأمرين من قيمتها وقيمة اللحم لأنه فرق اللحم متعديا ، وفيه وجه ضعيف جدا أنه يلزمه أرش الذبح وقيمة اللحم وقد يزيد الأرش مع قيمة اللحم على قيمة الشاة وقد ينقص وقد يتساويان قال أصحابنا : ولا اختصاص لهذا الخلاف بصورة الهدي والأضحية ، بل يطرد في كل من ذبح شاة غيره ثم أتلف لحمها . هذا كله تفريع على أن الشاة التي ذبحها الأجنبي تقع هديا وأضحية ، فإن قلنا لا تقع فليس على الذابح إلا أرش النقص ، وفي حكم اللحم وجهان .

                                      ( أحدهما ) أنه مستحق لجهة الأضحية والهدي ( والثاني ) يكون ملكا له ، ولو التزم هديا أو أضحية بالنذر ، ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي يوم النحر أو في الحرم ، فالقول في وقوعها عن الناذر ، وفي أخذه اللحم وتصدقه به وفي غرامة الذابح أرش ما نقص بالذبح على ما ذكرناه إذا كانت معينة في الابتداء ، فإن كان اللحم تالفا ، قال البغوي يأخذ القيمة ويملكها ويبقى الأصل في ذمته . قال الرافعي : وفي هذا اللفظ ما يبين أن قولنا في صورة الإتلاف بأخذ القيمة ويشتري بها مثل الأول نريد به أن يشتري بقدرها ، وأن نفس المأخوذ ملكه فله إمساكه .

                                      ( فرع ) إذا جعل شاته أضحية أو نذر الضحية بشاة معينة ، ثم ذبحها قبل يوم النحر لزمه التصدق بلحمها ، ولا يجوز له أكل شيء منه ، ويلزمه ذبح مثلها يوم النحر بدلا عنها ، وكذا لو ذبح الهدي المعين قبل بلوغ المنسك لزمه التصدق بلحمه ولزمه البدل في وقته ، ولو باع الهدي أو الأضحية المعينين فذبحه المشتري واللحم باق أخذه للبائع وتصدق به وعلى المشتري أرش ما نقص بالذبح ، ويضم البائع إليه ما يشتري به [ ص: 344 ] البدل ، وفي وجه ضعيف أنه لا يغرم المشتري شيئا لأن البائع سلطه والمذهب الأول . ولو ذبح أجنبي الأضحية المعينة قبل يوم النحر لزمه ما نقص من القيمة بسبب الذبح ، قال الرافعي : ويشبه أن يجيء فيه الخلاف في أن اللحم يصرف إلى مصارف الضحايا ؟ أم ينفك عن حكم الأضحية ويعود ملكا كما سبق فيما إذا ذبح الأجنبي يوم النحر ؟ وقلنا : لا يقع أضحية ثم ما حصل من الأرش ومن اللحم إن عاد ملكا له فيشتري به أضحية يذبحها يوم النحر ، ولو نذر أضحية ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي قبل يوم النحر أخذ اللحم ونقصان اللحم بالذبح وملك الجميع ، وبقي الأصل في ذمة الناذرة ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية