الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ونيسرك لليسرى ( 8 ) فذكر إن نفعت الذكرى ( 9 ) سيذكر من يخشى ( 10 ) ويتجنبها الأشقى ( 11 ) الذي يصلى النار الكبرى ( 12 ) ثم لا يموت فيها ولا يحيا ( 13 ) ) .

يقول تعالى ذكره : ونسهلك يا محمد لعمل الخير وهو اليسرى ، واليسرى : هو الفعلى من اليسر .

وقوله : ( فذكر إن نفعت الذكرى ) يقول تعالى ذكره : فذكر عباد الله يا محمد عظمته ، وعظهم ، وحذرهم عقوبته ( إن نفعت الذكرى ) يقول : إن نفعت الذكرى الذين قد آيستك من إيمانهم ، فلا تنفعهم الذكرى . وقوله : ( فذكر ) أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بتذكير جميع الناس ، ثم قال : إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم .

وقوله : ( سيذكر من يخشى ) يقول جل ثناؤه : سيذكر يا محمد إذا ذكرت الذين أمرتك بتذكيرهم من يخشى الله ، ويخاف عقابه ( ويتجنبها ) يقول : ويتجنب الذكرى ( الأشقى ) يعني : أشقى الفريقين ( الذي يصلى النار الكبرى ) وهم الذين لم تنفعهم الذكرى .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ) فاتقوا الله ، ما خشي الله عبد قط إلا ذكره ( ويتجنبها الأشقى ) فلا والله لا يتنكب عبد هذا الذكر زهدا فيه وبغضا لأهله ، إلا شقي بين الشقاء .

وقوله : ( الذي يصلى النار الكبرى ) يقول : الذي يرد نار جهنم ، وهي النار [ ص: 373 ] الكبرى ، ويعني بالكبرى لشدة الحر والألم .

وقوله : ( ثم لا يموت فيها ولا يحيا ) يقول : ثم لا يموت في النار الكبرى ولا يحيا ، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه ، فلا تخرج فتفارقه فيموت ، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا . وقيل : لا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيا حياة تنفعه .

وقال آخرون : قيل ذلك; لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة ، قالوا : لا هو حي ، ولا هو ميت ، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية