الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 138 ] وقد يراد بلفظ المعرفة العلم الذي يكون معلومه معينا خاصا، وبالعلم الذي هو قسيم المعرفة ما يكون المعلوم به كليا عاما، وقد يراد بلفظ المعرفة ما يكون معلومه الشيء بعينه، وإن كان لفظ العلم يتناول النوعين في الأصل، كما بسط في موضع آخر، وسيأتي كلام الناس في الإقرار بالصانع، هل يحصل بهذا وبهذا.

وقد بينا في غير هذا الموضع الكلام على قولهم: علة الحاجة إلى المؤثر: هل هي الحدوث، أو الإمكان، أو مجموعهما؟ وبينا أنه إن أريد بذلك أن الحدوث – مثلا - دليل على أن هذا المحدث يحتاج إلى محدث، أو أن الحدوث شرط في افتقار المفعول إلى فاعل، فهذا صحيح، وإن أريد بذلك أن الحدوث هو الذي جعل المحدث مفتقرا إلى الفاعل فهذا باطل، وكذلك الإمكان إذا أريد به أنه دليل على الافتقار إلى المؤثر، أو أنه شرط في الافتقار إلى المؤثر فهذا صحيح، وإن أريد به أنه جعل نفس الممكن مفتقرا، فهذا باطل.

وعلى هذا فلا منافاة بين أن يكون كل من الإمكان والحدوث دليلا على الافتقار إلى المؤثر، وشرطا في الافتقار إلى المؤثر، وإنما النزاع في مسألتين:

إحداهما: أن الواجب بغيره أزلا وأبدا: هل يصح أن يكون مفعولا [ ص: 139 ] لغيره؟ كما يقوله من يقول من المتفلسفة: إن الفلك قديم معلول ممكن لواجب الوجود أزلا وأبدا، فهذا هو القول الذي ينكره جماهير العقلاء من بني آدم. ويقولون: إن كون الشيء مفعولا مصنوعا، مع كونه مقارنا لفاعله أزلا وأبدا ممتنع. ويقولون أيضا: إن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا موجودا تارة ومعدوما أخرى، فأما ما كان دائم الوجود فهذا عند عامة العقلاء ضروري الوجود، وليس من الممكن الذي يقبل الوجود والعدم. وهذا مما وافق عليه الفلاسفة قاطبة حتى ابن سينا وأتباعه.

ولكن ابن سينا تناقض فادعى في باب إثبات واجب الوجود أن الممكن قد يكون قديما أزليا مع كونه ممكنا، ووافقه على ذلك طائفة من المتأخرين، كالرازي وغيره، ولزمهم على ذلك من الإشكالات ما لم يقدروا على جوابه، كما قد بسط في موضعه، وعلى هذا فالإمكان والحدوث متلازمان، فكل ممكن محدث، وكل محدث ممكن.

وأما تقدير ممكن مفعول واجب لغيره، مع أنه غير [ ص: 140 ] محدث، فهذا ممتنع عند جماهير العقلاء. وأكثر الفلاسفة من أتباع أرسطو وغيره مع الجمهور، يقولون: إن الإمكان لا يعقل إلا في المحدثات، وأما الذي ادعى ثبوت ممكن قديم فهو ابن سينا ومن وافقه. ولهذا ورد عليهم في إثبات هذا الإمكان سؤالات لا جواب لهم عنها.

التالي السابق


الخدمات العلمية