الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1186 6 - حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أن أم العلاء امرأة من الأنصار بايعت النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنه اقتسم المهاجرون قرعة ، فطار لنا عثمان بن مظعون ، فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه ، فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت رحمة الله عليك أبا السائب ، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريك أن الله أكرمه ، فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله ، فقال : أما هو فقد جاءه اليقين ، والله إني لأرجو له الخير ، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ، قالت : فوالله لا أزكي أحدا بعده أبدا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم" يعني على عثمان بعد أن غسل وكفن ، وهذه المطابقة أظهر من مطابقة الحديث السابق للترجمة .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله .

                                                                                                                                                                                  وهم ستة الأول يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي . الثاني الليث بن سعد . الثالث عقيل بضم العين ابن خالد . الرابع محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . الخامس خارجة اسم فاعل من الخروج ابن زيد بن ثابت الأنصاري ، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة مات سنة مائة . السادس أم العلاء بنت الحارث .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 16 ] ابن ثابت بن خارجة الأنصارية .


                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، والإخبار بصيغة الإفراد في موضعين ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه القول في موضعين ، وفيه أن شيخه مذكور باسم جده ، وأنه وشيخه مصريان ، وعقيل أيلي وابن شهاب وخارجة مدنيان ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية ، وفيه أم العلاء ، ذكر في تهذيب الكمال . ويقال : إن أم العلاء زوجة زيد بن ثابت ، وأم أبيه خارجة ، وقال الكرماني قال الترمذي : هي أم خارجة ، ثم قال : ولا يخفى أن ذكر خارجة مبهمة لا يخلو عن غرض ، أو أغراض .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره :

                                                                                                                                                                                  أخرجه البخاري أيضا في الشهادات ، وفي التفسير عن أبي اليمان ، وفي الهجرة عن موسى بن إسماعيل ، وفي التفسير أيضا عن عبدان ، وفي التعبير والجنائز أيضا عن سعيد بن عقيل . وأخرجه النسائي في الرؤيا عن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك به .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه : قوله " أم العلاء " منصوب بأن وخبره قوله " أخبرته " قوله : " امرأة من الأنصار " عطف بيان ، ويجوز أن يرفع على أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي هي امرأة من الأنصار . قوله " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم" جملة في محل الرفع ، أو النصب على أنها صفة لامرأة على الوجهين . قوله " أنه " الضمير فيه للشأن قوله " اقتسم المهاجرون قرعة " اقتسم على صيغة المجهول ، " والمهاجرون " مفعول ناب عن الفاعل ، وقرعة منصوب بنزع الخافض ، أي بقرعة ، والمعنى اقتسم الأنصار المهاجرين بالقرعة في نزولهم عليهم وسكناهم في منازلهم ; لأن المهاجرين لما دخلوا المدينة لم يكن معهم شيء من أموالهم ، فدخلوها فقراء ، وكان بنو مظعون ثلاثة عثمان وعبد الله وقدامة بدريون ، أخوال ابن عمر . قوله " فطار لنا عثمان " يعني وقع في القرعة في سهم الأنصار الذين أم العلاء منهم ، ويروى : " فصار لنا " ، فإن ثبتت هذه الرواية فمعناها صحيح . قوله " وجعه " نصب على المصدر قوله " أبا السائب " بالسين المهملة ، وفي آخره باء موحدة منادى حذف حرف ندائه ، والتقدير " يا أبا السائب " وهو كنية عثمان بن مظعون ، ولفظ البخاري في كتاب الشهادات في باب القرعة في المشكلات " أن عثمان بن مظعون طار له سهمه في السكنى حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين " قالت أم العلاء " فسكن عندنا عثمان بن مظعون فاشتكى فمرضناه حتى إذا توفي وجعلناه في ثيابه دخل علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب " ، وفي كتاب الهجرة والتعبير " قالت أم العلاء : فأحزنني ذلك فنمت فأوريت له عينا تجري فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال : ذاك عمله يجري له " . قوله " فشهادتي عليك " جملة من المبتدأ والخبر ، ومثل هذا التركيب يستعمل عرفا ، ويراد به معنى القسم كأنها قالت : أقسم بالله لقد أكرمك الله ، قال الكرماني : " شهادتي " مبتدأ ، " وعليك " صلته والقسم مقدر والجملة القسمية خبر المبتدأ ، وتقديره شهادتي عليك ، " قولي والله لقد أكرمك الله " ثم قال : فإن قلت هذه الشهادة له لا عليه . قلت : المقصود منها معنى الاستعلاء فقط بدون ملاحظة المضرة والمنفعة . قوله : " وما يدريك " بكسر الكاف ، أي : من أين علمت أن الله أكرمه ، أي عثمان قوله : " بأبي أنت " ، أي مفدى أنت بأبي ، وقد ذكرناه عن قريب قوله " فمن يكرمه الله " ، أي هو مؤمن خالص مطيع ، فإذا لم يكن هو من المكرمين من عند الله ، فمن يكرمه ؟ قوله : " أما هو " ، أي عثمان وكلمة " أما " تقتضي القسيم ، وقسميهما هنا مقدر تقديره : وأما غيره فخاتمة أمره غير معلومة أهو مما يرجى له الخير عند اليقين ، أي الموت أم لا قوله " والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " كلمة ما موصولة ، أو استفهامية قال الداودي : ما يفعل بي وهم والصواب ما يفعل به ، أي بعثمان ; لأنه لا يعلم من ذلك إلا ما يوحى إليه . وقيل قوله " ما يفعل بي " يحتمل أن يكون قبل إعلامه بالغفران له ، أو يكون المعنى ما يفعل بي في أمر الدنيا مما يصيبهم فيها ، فإن قلت : عثمان هذا أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا ، وهاجر الهجرتين وشهد بدرا ، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أهل بدر غفر الله لهم . قلت : قد قيل بأن ذلك قبل أن يخبر أن أهل بدر من أهل الجنة ، فإن قلت : هذا أيضا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر رضي الله تعالى عنه " ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " . قلت : لا تعارض في ذلك ; لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ، فأنكر على أم العلاء قطعها على عثمان إذ لم تعلم هي من أمره شيئا ، وفي حديث جابر قال : ما علمه إلا بطريق الوحي ; إذ لا يقطع على مثل هذا إلا بوحي حاصله أن ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم إخبار من لا ينطق عن الهوى ، وذلك كلام أم العلاء ، وليسا بالسواء .

                                                                                                                                                                                  ذكر ما يستفاد منه : فيه دليل على أنه لا يجزم لأحد بالجنة إلا ما نص عليه الشارع كالعشرة المبشرة وأمثالهم [ ص: 17 ] سيما والإخلاص أمر قلبي لا اطلاع لنا عليه ، وفيه مواساة الفقراء الذين ليس لهم مال ولامنزل ببذل المال وإباحة المنزل ، وفيه إباحة الدخول على الميت بعد التكفين ، وفيه جواز القرعة ، وفيه الدعاء للميت .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية